[ إن في ذلك لآية ] أي لعبرة عظيمة لمن تفكر وتدبر
[ وما كان أكثرهم مؤمنين ] أي وليس أكثر الناس بمؤمنين
[ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] أي وإن ربك يا محمد لهو الغالب الذي لا يقهر، الرحيم بالعباد، حيث لا يعاجلهم بالعقوبة، ثم شرع تعالى في ذكر قصة (هود) فقال سبحانه :
[ كذبت عاد المرسلين ] أي كذبت قبيلة عاد رسولهم (هودا)، ومن كذب رسولا فقد كذب جميع المرسلين
[ إذ قال لهم أخوهم هود ألا تتقون ] أي ألا تخافون عذاب الله وإنتقامه، في عبادتكم لغيره ؟
[ إني لكم رسول أمين ] أي أمين على الوحي، ناصح لكم في الدين
[ فاتقوا الله وأطيعون ] أي فخافوا عذاب الله واطيعوا أمري
[ وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ] أي لا أطلب منكم على تبليغ الدعوة شيئا من المال، إنما أطلب أجري من الله، كررت الآيات للتنبيه إلى أن دعوة الرسل واحدة
[ أتبنون بكل ريع آية تعبثون ] ؟ استفهام إنكاري أي أتبنون بكل موضع مرتفع من الطريق، بناءا شامخا كالعلم لمجرد اللهو والعبث ؟ قال ابن كثير : الريع المكان المرتفع كانوا يبنون عند الطرق المشهورة، بنيانا محكما هائلا باهرا، لمجرد اللهو واللعب وإظهار القوة، ولهذا أنكر عليهم نبيهم عليه السلام ذلك، لأنه تضييع للزمان، وإتعاب للأبدان، واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الآخرة
[ وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ] أي وتتخذون قصورا مشيدة محكمة ترجون الخلود في الدنيا، كأنكم لا تموتون ؟
[ وإذا بطشتم بطشتم جبارين ] أي وإذا اعتديتم على أحد، فعلتم فعل الجبارين من البطش، دون رأفة أو رحمة، وإنما أنكر عليهم ذلك لأنه صادر عن ظلم، عادة الجبابرة المتسلطين، قال الإمام الفخر : وصفهم بثلاثة أمور : إتخاذ الأبنية العالية، وهو يدل على السرف وحب العلو، واتخاذ المصانع - القصور المشيدة والحصون - وهو يدل على حب البقاء والخلود، والجبارية وهي تدل على حب التفرد بالعلو، وكل ذلك يشير على أن حب الدنيا قد استولى عليهم، بحيث استغرقوا فيه، حتى خرجوا عن حد العبودية، وحاموا حول إدعاء الربوبية، وحب الدنيا رأس كل خطيئة
[ فاتقوا الله وأطيعون ] أي خافوا الله واتركوا هذه الأفعال، واطيعوا أمري ! ا ثم شرع يذكرهم بنعم الله عليهم فقال :
[ واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون ] أي أنعم عليكم بأنواع النعم والخيرات
[ أمدكم بأنعام وبنين وجنات وعيون ] أي أعطاكم أصول الخيرات من المواشي، والبنين، والبساتين، والأنهار، وأغدق عليكم النعم، فهو الذى يجب أن يعبد ويشكر ولا يكفر
[ إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم ] أي أخشى عليكم إن لم تشكروا هذه النعم، وأشركتم وكفرتم، عذاب يوم هائل تشيب لهوله الولدان.. دعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب، وبلغ في دعائهم بالوعظ والتخويف النهاية القصوى في البيان، فكان جوابهم
[ قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين ] أى يستوى عندنا تذكيرك لنا وعدمه، فلا نبالي بما تقول، ولا نرعوي عما نحن عليه ! ! جعلوا قوله وعظا، على سبيل الاستخفاف، وعدم المبالاة بما خوفهم به، إذ لم يعتقدوا صحة ما جاء به، وإنه كاذب فيما ادعاه
[ إن هذا إلا خلق الأولين ] أي ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب وخرافات الأولين
[ وما نحن بمعذبين ] أي لا بعث ولا جزاء، ولا حساب ولا عذاب


الصفحة التالية
Icon