[ فكذبوه فأهلكناهم ] أي فكذبوا رسولهم " هود " فأهلكناهم بريح صرصر عاتية، قال ابن كثير : وكان إهلاكهم بالريح الشديدة الهبوب، ذات البرد الشديد، وهي الريح الصرصر العاتية، وكان سبب إهلاكهم من جنسهم، فإنهم كانوا أعتى شئ وأجبره، فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد، فحصبت الريح كل شيء، حتى كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه، وترفعه في الهواء، ثم تنكسه على أم رأسه، فتشدخ رأسه ودماغه
[ إن في ذلك لآية ] أي إن في إهلاكهم لعظة وعبرة
[ وما كان أكثرهم مؤمنين ] أى وما آمن أكثر الناس، مع رؤيتهم للآيات الباهرة
[ وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] أي وإن ربك يا محمد لهو العزيز في إنتقامه من أعدائه، الرحيم بعباده المؤمنين، ثم شرع تعالى فى ذكر قصة (صالح ) فقال سبحانه :
[ كذبت ثمود المرسلين ] أي كذبت قبيلة ثمود نبيهم (صالحا) ومن كذب رسولا فقد كذب جميع المرسلين
[ إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون ] ؟ ألا تخافون عذاب الله وإنتقامه ؟ في عبادتكم غيره ! ؟
[ إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ] كررت الآيات للتنبيه على أن دعوة الرسل واحدة، فكل رسول يذكر قومه بالغاية من بعثته ورسالته، وأنها لصالح البشر
[ أتتركون فيما ههنا آمنين ] أي أيترككم ربكم في هذه الدنيا آمنين، مخلدين في النعيم، كأنكم باقون في الدنيا بلا موت ؟ قال ابن عباس : كانوا معمرين لا يبقى البنيان مع أعمارهم، قال القرطبي : ودل على هذا قوله تعالى :[ واستعمركم فيها ] فقرعهم نبيهم (صالح ) ووبخهم وقال : أتظنون أنكم باقون في الدنيا بلا موت
[ في جنات وعيون ] أي في بساتين وأنهار جاريات
[ وزروع ونخل طلعها هضيم ] أي وسهول فسيحة، فيها من أنواع الزروع والنخيل الرطب اللين ؟ أتتركون في كل ذلك النعيم، دون حساب ولا جزاء ؟ قال المفسرون : كانت أرض ثمود كثيرة البساتين، والماء، والنخيل، فذكرهم صالح بنعم الله الجليلة من إنبات البساتين والجنات، وتفجير العيون الجاريات، لاخراج الزروع، والثمرات، ومعنى (الهضيم ) : اللطيف الدقيق وهو قول عكرمة، وقال ابن عباس معناه : اليانع النضيج
[ وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين ] أي وتبنون بيوتا في الجبال أشرين بطرين، من غير حاجة لسكناها، قال الرازي : وظاهر هذه الآيات يدل على أن الغالب على قوم (هود) هو اللذات الخيالية وهي : الاستعلاء، والبقاء، والتجبر، والغالب على قوم (صالح ) هو اللذات الحسية وهي : طلب المأكول، والمشروب، والمساكن الطيبة، وقال الصاوي : كانت أعمارهم طويلة، فإن السقوف والأبنية كانت تبلى، قبل فناء أعمارهم، لأن الواحد منهم كان يعيش ثلاثمائة سنة فأكثر
[ فاتقوا الله وأطيعون ] أي فاتقوا عقاب الله، وأطيعوني في نصيحتي لكم
[ ولا تطيعوا أمر المسرفين ] أي ولا تطيعوا أمر الكبراء المجرمين
[ الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون ] أي الذين عادتهم الفساد في الأرض لا الإصلاح، قال الطبري : وهم الرهط التسعة الذين وصفهم الله بقوله :[ وكان في المدينة تسعة رهط يفسدرن في الأرض ولا يصلحون ]
[ قالوا إنما أنت من المسحرين ] أي من المسحورين، سحرت حتى غلب على عقلك، والمسحر مبالغة من المسحور
[ ما أنت إلا بشر مثلنا ] أى لست يا صالح إلا رجلا مثلنا، فكيف تزعم أنك رسول الله ؟
[ فأت بآية إن كنت من الصادقين ] أي فائتنا بمعجزة تدل على صدقك