[ قال هذه ناقة ] أي هذه معجزتي إليكم وهي الناقة الي تخرج من الصخر الأصم بقدرة الله، قال المفسرون : روي أنهم اقترحوا عليه ناقة عشراء - حامل - تخرج من صخرة معينة وتلد أمامهم، فقعد صالح عليه السلام، يتفكر فجاءه جبريل فقال : صل ركعتين وسل ربك الناقة ففعل، فخرجت الناقة وولدت أمامهم، وبركت بين أيديهم فقال لهم : هذه ناقة يا قوم كما طلبتم
[ لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ] أي تشرب ماءكم يوما ويوما تشربون أنتم الماء، قال قتادة : إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله، وشربهم في اليوم الذي لا تشرب هي فيه، وتلك آية أخرى
[ ولا تمسوها بسوء ] أي لا تنالوها بأي ضرر، بالعقر أو بالضرب
[ فيأخذكم عذاب يوم عظيم ] أي فيصيبكم عذاب من الله هائل لا يكاد يوصف، قال ابن كثير : حذرهم نقمة الله إن أصابوها بسوء، فمكثت الناقة بين أظهرهم حينا من الدهر، ترد الماء وتأكل الورق والمرعى، وينتفعون بلبنها يحلبون منها ما يكفيهم شربا وريا، فلما طال عليهم الأمد، وحضر أشقاهم تمالئوا على قتلها وعقرها
[ فعقروها فأصبحوا نادمين ] أي فقتلوها رميا بالسهام، رماها أشقاهم - قدار بن سالف - بأمرهم ورضاهم فأصبحوا نادمين على قتلها خوف العذاب، قال الفخر : لم يكن ندمهم ندم التائبين، لكن ندم الخائفين من العذاب العاجل
[ فأخدهم العذاب ] أي العذاب الموعود، وكان صيحة خمدت لها أبدانهم، وإنشقت لها قلوبهم، وزلزلت الأرض تحتهم زلزالا شديدا، وصبت عليهم حجارة من السماء فماتوا عن آخرهم
[ إن في ذلك لآية ] أي لعظة وعبرة لمن عقل وتدبر
[ وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] تقدم تفسيرها فيما سبق.. ثم شرع تعالى في ذكر قصة (لوط ) عليه السلام فقال سبحانه :
[ كذبت قوم لوط المرسلين ] أي كذبوا رسولهم لوطا
[ إذ قال لهم أخوهم لوط ألا تتقون ] أي ألا تخافون عقاب الله وإنتقامه ؟ في عبادتكم غيره ؟
[ إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ] نفس الكلمات والألفاظ الي قالها من قبل (صالح، وهود ونوح ) مما يؤكد أن دعوة الرسل واحدة، وغايتها واحدة، وأن معناها هو الوحي السماوي.. ثم قال لهم لوط :
[ أتأتون الذكران من العالمين ] استفهام إنكاري وتوبيخ وتقريع أي أتنكحون الذكور في أدبارهم ؟ وتنفردون بهذا الفعل الشنيع من بين سائر الخلق ؟
[ وتذرون ما خلق لكم ربكم من أزواجكم ] أي تتركون ما أباح لكم ربكم، من الإستمتاع بالإناث ؟ قال مجاهد : تركتم فروج النساء إلى أدبار الرجال
[ بل أنتم قوم عالون ] أي بل أنتم قوم مجاوزون الحد في الإجرام والفساد، وبخهم على إتيانهم الذكور، ثم أضرب عنه إلى ما هو أبلغ في التوبيخ، كأنه يقول : خرجتم عن حدود الإنسانية، إلى مرتبة البهيمية بعدوانكم وارتكابكم هذه الجريمة الشنيعة، فالذكر من الحيوان يأنف عن إتيان الذكر، وأنتم فعلتم ما يتورع عنه الحيوان ! !
[ قالوا لئن لم تنته يا لوط لتكونن من المخرجين ] أي لئن لم تترك تقبيح ما نحن عليه، لنخرجنك من بين اظهرنا وننفيك من بلدنا كما فعلنا بمن قبلك !! توعدوه بالنفي والطرد
[ قال إني لعملكم من القالين ] أي قال لهم لوط : إني لعملكم القبيح من المبغضين غاية البغض، وأنا بريء منكم
[ رب نجني وأهلي مما يعملون ] أي نجني من العذاب الذي يستحقونه بعملهم القبيح أنا وأهلي، قال تعالى :
[ فنجيناه وأهله أجمعين إلا عجوزا في الغابرين ] أي نجيناه مع أهله جميعا، إلا امرأته كانت من الهالكين، الباقين في العذاب، قال ابن كثير : والمراد بالعجوز امرأته فقد كانت عجوز سوء، بقيت فهلكت مع من بقي من قومها، حين أمره الله أن يسري بأهله إلا امرأته