[ ثم دمرنا الآخرين ] أي أهلكناهم أشد إهلاك وافظعه، بالخسف والحصب
[ وأمطرنا عليهم مطرا ] أي أمطرنا عليهم حجارة من السماء كالمطر الزاخر
[ فساء مطر المنذرين ] أي بئس هذا المطر مطر القوم المنذرين، الذين أنذرهم نبيهم فكذبوه
[ إن في ذلك لآية ] أي إن في ذلك لعبرة وعظة لأولي البصائر
[ وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] تقدم تفسيره.. ثم شرع تعالى في ذكر قصة " شعيب " عليه السلام فقال سبحانه :
[ كذب أصحاب الأيكة المرسلين ] أي كذب أصحاب مدين نبيهم شعيبا، قال الطبري : والأيكة : الشجر الملتف وهم أهل مدين
[ إذ قال لهم شعيب ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ] سبق تفسيره
[ أوفوا الكيل ] أي أوفوا الناس حقوقهم في الكيل والوزن
[ ولا تكونوا من المخسرين ] أي من المنقصين المطففين في المكيال والميزان
[ وزنوا بالقسطاس المستقيم ] أي زنوا بالميزان العدل السوي
[ ولا تبخسوا الناس أشياءهم ] أي لا تنقصوا حقوق الناس بأي طريق كان، بالهضم أو الغبن أو الغصب ونحو ذلك
[ ولا تعثوا في الأرض مفسدين ] أي ولا تفسدوا في الأرض بأنواع الفساد، من قطع الطريق، والغارة، والسلب والنهب
[ واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين ] أي خافوا الله الذي خلقكم وخلق الخليقة المتقدمين، قال مجاهد : الجبلة : الخليقة ويعني بها الأمم السابقين
[ قالوا إنما أنت من المسحرين ] أي قالوا : ما أنت إلا من المسحورين، سحرت كثيرا حتى غلب على عقلك
[ وما أنت إلا بشر مثلنا ] أي أنت إنسان مثلنا ولست برسول
[ وإن نظنك لمن الكاذبين ] أي ما نظنك يا شعيب إلا كاذبا، تكذب علينا فتقول أنا رسول الله
[ فأسقط علينا كسفا من السماء ] أي أنزل علينا العذاب قطعا من السماء، وهو مبالغة في التكذيب
[ إن كنت من الصادقين ] أي إن كنت صادقا فيما تقول، قال الرازي : وإنما طلبوا ذلك، لاستبعادهم وقوعه، فظنوا أنه إذا لم يقع ظهر كذبه فعندها أجابهم شعيب
[ قال ربي أعلم بما تعملون ] أي الله أعلم بأعمالكم، فإن كنتم تستحقون ذلك جازاكم به، وهو غير ظالم لكم، وإن كنتم تستحقون عقابا آخر فإليه الحكم والمشيئة، قال تعالى :
[ فكذبوه فأخذهم عذاب يوم الظلة ] أي فكذبوا شعيبا فأخذهم ذلك العذاب الرهيب، عذاب(يوم الظلة) وهي السحابة التي أظلتهم، قال المفسرون : بعث الله عليهم حرا شديدا فأخذ بأنفاسهم، فخرجوا من البيوت هربا إلى البرية، فبعث الله عليهم سحابة أظلتهم من الشمس، فوجدوا لها بردا، ونادى بعضهم بعضا، حتى إذا اجتمعوا تحتها، أرسل الله عليهم نارا فاحترقوا جميعا، وكان ذلك من أعظم العذاب ولهذا قال :
[ إنه كان عذاب يوم عظيم ] أي كان عذاب يوم هائل، عظيم في الشدة والهول
[ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] وإلى هنا ينتهي آخر القصص السبع، التي قصها الله على رسوله(ص)، لصرفه عن الحرص على إسلام قومه، وقطع رجائه، ودفع تحسره عليهم كما قال في أول السورة :[ لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين ] ففيها تسلية لرسول الله(ص)، وتخفيف عن أحزانه وآلامه، وإنما كرر في نهاية كل قصة قوله :[ إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم ] ليكون ذلك أبلغ في الإعتبار، وأشد تنبيها لذوي القلوب والأبصار!
البلاغة :
بينت الآيات وجوها من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - إطلاق الكل وإرادة البعض [ كذبت قوم نوح المرسلين ] أراد بالمرسلين (نوحا) وإنما ذكره بصيغة الجمع تعظيما له، وتنبيها على أن من كذب رسولا فقد كذب جميع المرسلين.
٢ - الاستفهام الإنكاري [ أنؤمن لك واتبعك الأرذلون ] ؟


الصفحة التالية
Icon