[ وما آمن معه إلا قليل ] أي وما آمن بنوح إلا نزر يسير، مع طول إقامته بينهم، وهي مدة تسعمائة وخمسين سنة، قال ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم، وعن كعب : كانوا اثنين وسبعين نفسا
[ وقال اركبوا فيها باسم الله مَجريها ومرساها ] أي وقال نوح لمن آمن به : اركبوا في السفينة، باسم الله يكون جريُها على وجه الماء، وباسم الله يكون رسوها واستقرارها، قال الطبري : المعنى بسم الله حين تجري وحين تُرسي، أي حين تسير، وحين تقف
[ إن ربي لغفور رحيم ] أي ساتر لذنوب التائبين، رحيم بالمؤمنين حيث نجاهم من الغرق
[ وهي تجري بهم في موج كالجبال ] أي والسفينة تسير بهم وسط الأمواج، التى هي كالجبل في العِظَم والارتفاع، تسير بإذن الله وعنايته ولطفه، قال الصاوي : رُوي أن الله أرسل المطر أربعين يوما وليلة، وخرج الماء من الأرض ينابيع كما قال تعالى [ ففتحنا أبواب السماء بماء مُنهمر. وفجرنا الأرض عُيونا فالتقى الماءُ على أمر قد قُدر ] وارتفع الماء على أعلى جبل، أربعين ذراعا حتى أغرق كل شيء
[ ونادى نوحٌ ابنه وكانَ في مَعزل ] أي ونادى نوح ولده (كنعان ) قبيل سير السفينة، وكان في ناحية منها لم يركب مع المؤمنين
[ با بُنيً اركب معنا ] أي اركب معنا ولا تهلك نفسك بالغرق
[ ولا تكن مع الكافرين ] أي فتغرق كما يغرقون
[ قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء ] أي سأصعد إلى رأس جبل، اتحصًن به من الغرق، ظناً منه ان الماء لا يصل إلى رءوس الجبال
[ قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم ] أي قال له أبوه نوح : لا معصوم اليوم من عذاب الله، ولا ناجي من عقابه إلا من رَحِمَه الله تعالى
[ وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ] أي حال بين نوح وولده موجُ آلبحر فغرق
[ وقيل يا أرضُ ابلعي ماءك ] أي انشقي وابلعي ما على وجهك من الماء
[ ويا سماءُ أقلعي ] أي امسكى عن المطر
[ وغيض الماء ] اى ذهب في أغوار الأرض، قال مجاهد : نقص الماء
[ وقُضي الأمرُ ] أي تم اْمر الله بإغراق من غَرِقَ، ونجاة من نجا
[ واستوت على الجودي ] أي استقرت السفينة على (جبل الجودي ) بقرب الموصل
[ وقيل بعدا للقوم الظالمين ] أي هلاكاً وخساراً لمن كفر بالله، وهي جملة دعائية، قال الألوسي ؟ ولا يخفى ما في الآية من الدلالة على عموم هلاك الكفرة، بل على عموم هلاك أهل الأرض، ما عدا أهل السفينة، ويدل عليه ما رُوي أن الغرقَ أصاب امرأة معها صبي لها فوضعته على صدرها، فلما بلغها الماء وضعته على منكبها، فلما بلغها الماء رفعته بيديها، فلو رحم الله أحداً من أهل الأرض لرحمها
[ ونادى نوح ربًه فقال ربً إنً ابني من أهلي ] أي نادى نوح ربه متضرعا إليه، فقال : ربًي إن ابنى (كنعان ) من أهلي وقد وعدتني بنجاتهم
[ وإن وعدكَ الحقُ ] أي وعدك حق لا خُلف فيه
[ وأنت أحكم الحاكمين ] أي وأنت يا الله أعدل من حَكَم بالحق
[ قال يا نوحُ انه ليسَ هن أهلِك ] أي قال له ربه : يا نوحُ إن ولدك هذا ليس من أهلك، الذين وعدتك بنجاتهم لأنه كافر، ولا ولاية بين المؤمن والكافر
[ انه عمل غيرُ صالح ] أي إن عمله سيئ غير صالح
[ فلا تسألنِ ما ليس لك به علم ] أي لا تطلب في أمرا، لا تعلم نتيجتَه أخطأ هو أم صواب ؟
[ اني اعظك ان تكون من الجاهلين ] أي إني أنبهك وأنصحك خشية ان تكون من الجاهلين، وليس في ذلك وصف له بالجهل، بل فيه ملاطفةَ له واكرام كأنه يقول له : إنك لا تدري الحقائق
[ قال ربى إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم ] أي ؟قال نوح معتذرا إلى ربه عما صدر عنه : ربي إني أستجير بك، من أن أسألك أمرا لا يليق بي سؤاله
[ وإلا تغفز لي وترحمني أكن من الخاسرين ] أي وإلا تغفر لي زلتي، وتتداركني برحمتك، أكن ممن خسر آخرته وسعادته