[ قيل يا نوح اهبط بسلام منا ] أي اهبط من السفينة بسلامة وأمن
[ وبركاتِ عليك وعلى أمم ممن معك ] أي وخيرات عظيمة عليك وعلى ذرية من معك من أهل السفينة، ودخل في هذا كل مؤمن إلى يوم القيامة
[ وأمم سنمتعهم ] أي أمم أخرى من ذرية من معك، نمتعهم متاع الحياة الدنيا، وهم الكفرة المجرمون
[ ثم يمسهم منا عذاب أليم ] أي ثم نذيقهم في الآخرة العذاب الأليم، وهو (عذاب جهنم )
[ تلك من أنباء الغيب ] أي هذه القصة وأشباهها من أخبار الغيوب السالفة التى لم تشهدها
[ نوحيها اليك ] أي نعلمك بها يا أيها الرسول، بواسطة الوحي
[ ما كنت تَعلمُها أنتَ ولا قومُك من قبلِ هذا ] أي لم يكن عندك، ولا عند أحد من قومك، علم بها، من قبل هذا القرآن
[ فاصبر ان العاقبة للمتقين ] أي فاصبر على أمر الله، بتبليغ الدعوة كما صبر نوح، فإن العاقبة المحمودة لمن اتقى الله، وفيه تسلية له، على أذى المشركين.
البلاغة :
١ - [ فعُميَت عليكم ] شبه الذي لا يهتدي بالحجة لخفائها عليه، بمن سلك مفازة لا يعرف طرقها ومسالكها، واتبع دليلا أعمى فيها، على سبيل (الاستعارة التمثيلية).
٢ - [ أفلا تذكرون ] ا لاستفهام للإِنكار والتقريع والتوبيخ.
٣ - [ فائتنا بما تعدنا ] الأمر يراد به التهكم والاستهزاء.
٤ - [ فعلى اجرامي ] مجاز بالحذف أي عقوبة إجرامي وجاء ب [ إن ] الدالة على الشك لبيان أنه على سبيل الفرض لقوله :[ إن افتريته ] بخلاف إجرامهم فإنه محقق
[ وأنا برئ مما تُجرمون ].
٥ - [ واصنع الفُلك بأعيننا ] كناية عن الرعاية والحفظ، يقال للمسافر (صحبتك عين الله ) أي رعاية الله وحفظه.
٦ - [ يا أرضُ ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي ] بين الأرض والسماء طباق، وبين أقلعى وابلعي جناس ناقص، وكلاهما من المحسنات البديعية.
فائدة :
قال ابن عباس في قوله تعالى [ إنه ليس من أهلك ] كان ابنه من صلبه، ولكنه لم يكن مؤمنآ، وما بغت امرأة نبى قط ومعنى الآية : إنه ليس من أهلك الذين وعدتك ان أنجيهم معك. أقول : نبهت الآية على ان آهله هم (الصلحاء) أهل دينه وشريعته، فمن لا صلاح له لا نجاة له، ومدار الأهلية القرابة الدينية، لا القرابة البدنية. أبى الإسلام لا أبَ لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم
لطيفة :
روي أن إعرابيا سمع هذه الآية [ وقيل يا أرضُ ابلعي ماءك، ويا سماء أقلعي.. ] الآية فقال : هذا كلام القادرين لا يشبه كلام المخلوقين، ويروى أن " ابن المقفع " - وكان أفصح أهل زمانه - رام أن يعارض القرآن فنظم كلاما، وجعله مفصلا، وسناه سورا، فمر يوماً بصبي فسمعه يقرأ الآية فرجع إلى بيته، ومحا ما كان قد بدأ به، وقال : أشهد أن هذا لا يُعارض أبدا، وما هو من كلام البشر.
تنبيه :
هذا الآية بلغت من أسرار الإعجاز غايتها، وحوت من بدائع الفوائد نهايتها، وجمعت من المحاسن اللفظية والمعنوية ما يضيق عنه نطاق البيان، وقد اهتم بإظهار لطائفها وأسرارها العلامة أبو حيان حيث قال رحمه آلله وطيب ثراه : في هذه الآية أحد وعشرون نوعا من البديع :


الصفحة التالية
Icon