المناسبة قي قوله [ أقلعي وابلعي ]، والمطابقة بذكر الأرض والسماء، والمجاز في المراد مطر السماء، والاستعارة في [ أقلعي ] والإِشارة في [ وغيضَ الماءُ ] فإنها إشارة إلى معانى كثيرة، والتمثيلُ في [ وقضى الأمر ] عبر بالأمر عن إهلاك الهالكين ونجاة الناجين، والإرداف في [ وأستوت على الجودي ] فلفظ واستوت كلام تام أردفه بلفظ [ على الجودي ] قصدا للمبالغة في التمكن بهذا المكان، والتعليلُ في [ وغيض آلماءً ] فإنه علة للاستواء، والاحتراسُ في [ بعداً للقوم الظالمين ] وهو أيضأ ذم لهم، والإيجاز وهو ذكر القصة باللفظ القصير مستوعباَ للمعاني الجمة، وعدد بقية الوجوه وهي : آلإيضاحُ، والمساواة، وحسنُ النسق، وصحة التقسيم، وحسن البيان، والتمكس، والتجنيس، والتسهيم، والمقابلة، والتهذيب، والوصف. " مقتطفات من تفسير سيد قطب في ظلال القرآن " وننقل هنا فقرات من تفسير شهيد الإِسلام " سيد قطب، عليه الرحمة والرضوان حيث قال ما نصه :" وعند هذا المقطع من قصة نوح يلتفت السياقُ لفتة عجيبة، إلى استقبال مشركي قريش، لمثل هذه القصة التي تشبه أن تكون قصتهم مع الرسول (ص) ودعواهم أن محمدا يفتري هذا القصص [ أم يقولون افتراه ؟ قل إن افتريتُه فعلى اجرامي وأنا برئ مما تجرمون ] فالافتراء إجرام وعلى تبعته، وأنا أعرف أنه إجرام فمستبعدْ أن أرتكبه، وهذا الاعتراضُ لا يخالف سياق القصة في القرآن، لأنها إنما جاءت لتأدية غرضِ معين، لم يمضي السياقُ في قصة نوح يعرض مشهدا ثانيا، مشهد نوح يتلقى وحي ربه وأمره [ وأُوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إِلا من قد آمن فلا تَبئسِ بما كانوا يفعلون. واصنع الفُلك بأعيننا ووحينا ] أي برعايتنا وتعليمنا [ ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ] فقد تقرر مصيرهم، وانتهى الإِنذار، وانتهى الجدل. والمشهد الثالث من مشاهد القصة : مشهدُ نوح يصنع الفلك [ ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ] والتعبير بالمضارع هو الذي يعطي المشهد حيويته وجدته، فنحن نراه ماثلا لخيالنا من وراء هذا التعبير، وقومه المتكبرون يمرون به فيسخرون، يسخرون من الرجل الذي كان يقول لهم إنه رسول، ثم إذا هو ينقلب نجاراً يصنع مركبأ، والمشهد آلرابع : مشهد التعبئة عندما حلت اللحظة المرتقبة [ حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.. ] ثم يأتي المشهد الهائل المرهوب : مشهد الطوفان [ وهي تجري بهم في موج كالجبال... وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ] إن الهول هنا هولان : هول في الطبيعة الصامتة، وهول في النفس البشرية يلتقيان. وإننا بعد آلاف السنين لنمسك أنفاسنا - ونحن نتابع السياق - والهولُ يأخذنا كأننا نشهد المشهد، [ وهي تجري بهم في موج كالجبال ] ونوح الوالد الملهوف يبعث بالنداء تلو النداء، وابنه الفتى المغرور يأبى إجابة الدعاء، والموجة الغامرة تحسم الموقف في سرعة خاطفة راجفة [ وحال بينهما الموج فكان من المغرقين ] وينتهي كل شيء، وكأن لم يكن دعاء ولا جواب، وتلك سمة بارزة في تصوير القرآن ! ! وتهدأ العاصفة، ويخيم السكون، ويقضى الأمر، وبوجه الخطاب إلى الأرض والسماء (بصيغة العاقل ) فتستجيب كلتاهما للأمر الفاصل، فتبلع الأرض وتكف السماء [ وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي، وغيض الماء وقضي الأمر واستوت على الجودي، وقيل بعدا للقوم الظالمين.
قال الله تعالى :[ وإلى عاد أخاهم هودا.. ] إلى قوله سبحانه :[ رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت انه حميد مجيد ] من آية (٥٠) إلى نهاية آية (٧٣).
المناسبة :


الصفحة التالية
Icon