[ ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السموات والأرض ] أي أيسجدون للشمس، ولا يسجدون لله الخالق العظيم ؟ الذي يعلم الخفايا ويعلم كل مخبوء في العالم العلوي والسفلي ؟ (( هذا ما انقدح في ذهني من معنى الآية الكريمة، ولعله هو الأقرب إلى فهم روح النص القرآني، فان المجال مجال تعجب وإنكار، لا مجال حديث وإخبار، فما ذهب إليه بعض المفسرين من أن " لا " زائدة وأن المعنى فهم لا يهتدون أن يسجدوا لله أو أن المعنى ألا يا هؤلاء فاسجدوا.. الخ غير ظاهر، والله أعلم )) قال ابن عباس : يعلم كل خبيئة في السماء والأرض
[ ويعلم ما تخفون وما تعلنون ] أي ويعلم السر والعلن، ما ظهر وما بطن
[ الله لا اله إلا هو رب العرش العظيم ] أي هو تعالى المتفرد بالعظمة والجلال، رب العرش الكريم، المستحق للعبادة والسجود، وخص العرش بالذكر لأنه أعظم المخلوقات، وإلى هنا انتهى كلام الهدهد
[ قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين ] أي قال سليمان : سننظر في قولك ونتثبت منه، هل أنت صادق أم كاذب فيه ؟ قال ابن الجوزى : وإنما شك في خبره لأن سليمان أنكر أن يكون لغيره سلطان، ثم كتب كتابا وختمه بخاتمه ودفعه إلى الهدهد وقال :
[ اذهب بكتابى هذا فألقه إليهم ] أي اذهب بهذا الكتاب، وأوصله إلى ملكة سبأ وجندها
[ ثم تول عنهم ] أي تنح إلى مكان قريب مستترا عنهم
[ فانظر ماذا يرجعون ] أي فانظر ماذا يردون من الجواب ؟ أخذ الهدهد الكتاب وذهب إلى بلقيس وقومها، فرفرف فوق رأسها، ثم ألقى الكتاب في حجرها
[ قالت يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم ] أي قالت لأشراف قومها : إنه أتاني كتاب عظيم جليل
[ إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ] أي إن هذا الكتاب مرسل من سليمان، ثم فتحته فإذا فيه :(بسم الله الرحمن الرحيم ) وهو استفتاح شريف بارع، فيه إعلان الربوبية لله، ثم الدعوة إلى توحيد الله والانقياد لأمره
[ ألا تعلوا علي وأتوني مسلمين ] أي لا تتكبروا علي كما يفعل الملوك، وجيئوني مؤمنين، قال ابن عباس : أي موحدين، وقال سفيان : طائعين
[ قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري ] أي أشيروا علي في الأمر
[ ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون ] أي ما كنت لأقضي أمرا بدون حضوركم ومشورتكم
[ قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد ] أي نحن أصحاب كثرة في الرجال والعتاد، وأصحاب شدة في الحرب
[ والأمر إليك فانظري ماذا تأمرين ] ؟ أي وأمرنا إليك فمرينا بما شئت نمتثل أمرك، وقولهم هذا دليل على الطاعة المفرطة قال القرطبي : أخذت في حسن الأدب مع قومها ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها، فراجعها الملأ بما يقر عينها من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلموا الأمر إلى نظرها، وهذه محاورة حسنة من الجميع قال الحسن البصري : فوضوا أمرهم إلى علجة يضطرب ثدياها، فلما قالوا لها ما قالوا، كانت هي أحزم منهم رأيا وأعلم
[ قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها ] اى إن عادة الملوك أنهم إذا استولوا على بلدة عنوة وقهرا خربوها
[ وجعلوا أعزة أهلها أذلة ] أي أهانوا أشرافها، وأذلوهم بالقتل، والأسر، والتشريد
[ وكذلك يفعلون ] أي وهذه عادتهم وطريقتهم في كل بلد يدخلونها قهرا، ثم عدلت إلى المهادنة والمسالمة فقالت :
[ وإني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون ] أي وإني سأبعث إليه بهدية عظيمة تليق بمثله، فأنظر هل يقبلها أم يردها ؟ قال قتادة : ما كان أعقلها في إسلامها وشركها ! ! علمت أن الهدية تقع موقعا من الناس، وقال ابن عباس : قالت لقومها إن قبل الهدية فهو ملك يريد الدنيا فقاتلوه، وإن لم يقبلها فهو نبي صادق فاتبعوه


الصفحة التالية
Icon