لما ذكر تعالى في أول السورة قصة موسى، ثم أعقبها بقصة داود وسليمان، وما فيها من العجائب والغرائب، ذكر هنا قصة " صالح " ثم قصة " لوط " وكل هذه القصص غرضها التذكير والإعتبار، وبيان سنة الله في إهلاك المكذبين، ثم أتبعها بذكر البراهين الدالة على الوحدانية، والعلم، والقدرة.
اللغة :
[ اطيرنا ] من التطير وهو التشاؤم، قال الزجاج : أصلها تطيرنا فأدغمت التاء في الطاء واجتلبت الألف لسكون الطاء
[ خاوية ] خالية من خوى البطن إذا خلى، وخوى النجم إذا سقط
[ الفاحشة ] الفعلة القبيحة الشنيعة
[ حدائق ] جمع حديقة وهي البستان الذي عليه سور، قال الفراء : الحديقة : البستان الذي عليه حائط، فإن لم يكن عليه حائط فهو البستان
[ قرارا ] مستقرا يثبت عليه الشئ
[ حاجزا ] الحاجز : الفاصل بين الشيئين.
التفسير :
[ ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله ] اللام جواب قسم محذوف أي والله لقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم - في النسب لا في الدين - صالحا عليه السلام، يدعوهم إلى توحيد الله وعبادته
[ فإذا هم فريقان يختصمون ] أي فإذا هم جماعتان : مؤمنون وكافرون، يتنازعون في شأن الدين، قال مجاهد :[ فريقان ] : مؤمن، وكافر، واختصامهم : اختلافهم وجدالهم في الدين، وجاء الفعل بالجمع [ يختصمون ] حملا على المعنى
[ قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ] أي قال لهم صالح بطريق التلطف والرفق : يا قوم لم تطلبون العذاب قبل الرحمة ؟ ولأي شيء تستعجلون بالعذاب، ولا تطلبون الرحمة ؟
[ لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون ] أي هلا تتوبون إلى الله من الشرك لكي يتوب الله عليكم ويرحمكم ؟ قال المفسرون : كان الكفار يقولون لفرط الإنكار : يا صالح ائتنا بعذاب الله، فقال لهم : هلا تستغفرون الله قبل نزول العذاب، فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر! !
[ قالوا اطيرنا بك وبمن معك ] أي تشاءمنا بك يا صالح، وبأتباعك المؤمنين، فإنكم سبب ما حل بنا من بلاء، وكانوا قد أصابهم القحط وجاعوا
[ قال طائركم عند الله ] أي حظكم في الحقيقة من خير أو شر، هو عند الله وبقضائه، إن شاء رزقكم، وإن شاء حرمكم ! ! لما لاطفهم في الخطاب أغلظوا له في الجواب، وقالوا : تشاءمنا بك وبمن معك، فأخبرهم أن شؤمهم بسبب عملهم القبيح، لا بسبب (صالح ) والمؤمنين
[ بل أنتم قوم تفتنون ] أي بل الحقيقة أنكم جماعة يفتنكم الشيطان بوسوسته وإغوائه ولذلك تقولون ما تقولون
[ وكان في المدينة تسعة رهط ] أي وكان في مدينة صالح - وهي الحجر-تسعة رجال من أبناء أشرافهم، قال الضحاك : كان هؤلاء التسعة عظماء أهل المدينة
[ يفسدون في الأرض ولا يصلحون ] أي شأنهم الإفساد، وأيذاء العباد بكل طريق ووسيلة، قال ابن عباس : وهم الذين عقروا الناقة
[ قالوا تقاسموا بالله ] أي قال بعضهم لبعض : احلفوا بالله
[ لنبيتنه وأهله ] أي لنقتلن صالحا وأهله ليلا
[ ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله ] أي ثم نقول لولي دمه ما حضرنا مكان هلاكه ولا عرفنا قاتله ولا قاتل أهله
[ وإنا لصادقون ] أي ونحلف لهم إنا لصادقون في كلامنا ! ! قال ابن عباس : أتوا دار صالح شاهرين سيوفهم، فرمتهم الملائكة بالحجارة فقتلتهم قال تعالى :
[ ومكروا مكرا ] أي دبروا مكيدة لقتل صالح
[ ومكرنا مكرا ] أي جازيناهم على مكرهم بتعجيل هلاكهم، سماه (مكرا) بطريق المشاكلة (( المشاكلة هي الاتفاق في اللفظ دون المعنى ))
[ وهم لا يشعرون ] أي من حيث لا يدرون ولا يعلمون، قال أبو حيان : ومكرهم ما أخفوه من تدبير الفتك بصالح وأهله، ومكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون