[ بل ادارك علمهم في الآخرة ] أي هل تتابع وتلاحق، علم المشركين بالآخرة وأحوالها ؟ حتى يسألوا عن الساعة وقيامها ؟ إنهم لا يصدقون بالآخرة، فلماذا يسألون عن قيام الساعة ؟
[ بل هم في شك منها ] أي بل هم شاكون في الآخرة لا يصدقون بها، ولذلك يعاندون ويكابرون
[ بل هم منها عمون ] أي بل هم في عمى عنها، وليس لهم بصيرة يدركون بها دلائل وقوعها لأن اشتغالهم باللذات النفسانية من شهوة البطن والفرج صيرهم كالبهائم والأنعام، لا يتدبرون ولا يبصرون، قال ابن كثير : هم شاكون في وقوعها ووجودها، بل هم في عماية وجهل كبير في أمرها.
البلاغة :
تضمنت الآيات وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الطباق بين [ يفسدون.. ولا يصلحون ].
٢ - التحضيض [ لولا تستغفرون الله ] أي هلا تستغفرون الله.
٣ - جناس ا لاشتقاق [ اطيرنا.. طائركم ].
٤ - المشاكلة [ ومكروا.. ومكرنا ] سمى تعالى إهلاكهم وتدميرهم (مكرا) على سبيل المشاكلة. لأن مكرهم كان عن خبث، ومكر الله تعطيل وإبطال لمكرهم، ورد لكيدهم في نحورهم.
٥ - الطباق بين السيئة والحسنة في قوله :[ لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة ] ؟.
٦ - الاستفهام التوبيخي [ أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون ] ؟.
٧ - أسلوب التبكيت والتهكم [ الله خير أما يشركون ] ؟.
٨ - الاستعارة اللطيفة [ بين يدي رحمته ] أي أمام نزول المطر، فاستعار اليدين للأمام.
٩ - الطباق بين [ يبدأ الخلق ثم يعيده ].
١٠ - الاستعارة اللطيفة [ بل هم منها عمون ] استعار (العمى) للتعامي عن الحق وعدم التفكر والتدبر في آلاء الله، فاصبحوا كالعمي الذين لا يبصرون.
١١ - مراعاة الفواصل مما يزيد في رونق الكلام وجماله، وله على السمع وقع خاص مثل [ وما يشعرون أيان يبعثون ] [ أمن جعل الأرض قرارا وجعل خلالها أنهارا ] ومثل [ إن في ذلك لآية لقوم يعلمون * وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون ]. وأمثاله كثير، وفي القرآن روائع بيانية يعجز عن التعبير عنها اللسان، فسبحان من خص نبيه الأمي بهذا الكتاب المعجز! !.
قال الله تعالى :[ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباؤنا.. ] إلى قوله [ وما ربك بغافل عما تعملون ] من آية (٦٧ ) إلى آية (٩٣ ) نهاية السورة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين، ذكر هنا شبهات المشركين في الإيمان بالآخرة والبعث والنشور، وأردفها بذكر الدلائل القاطعة، وذكر بعض الأهوال التي تكون بين يدي الساعة.
اللغه :
[ ردت ] اقترب ودنا
[ تكن ] تسر وتخفي
[ داخرين ] ذليلين صاغرين
[ فوجا ] الفوج : الجماعة
[ جامدة ] الجمود : سكون الشيء وعدم حركته
[ أتقن ] الإتقان : الإتيان بالشئ على أحسن حالاته من التمام والكمال والإحكام
[ كبت ] الكب : الطرح والإلقاء يقال : كببت الرجل ألقيته على وجهه، وكببت الإناء قلبته
التفسير :
[ وقال الذين كفروا أئذا كنا ترابا وآباونا أئنا لمخرجون ] أي قال مشركو مكة المنكرون للبعث : أئذا متنا، وأصبحنا رفاتا وعظاما بالية ؟ فهل سنخرج من قبورنا ونحيا مرة ثانية ؟
[ لقد وعدنا هذا نحن وآباؤنا من قبل ] أي لقد وعدنا محمد بالبعث كما وعد الرسل قبله آباءنا الأولين، فلو كان حقا لحصل
[ إن هذا إلا أساطير الأولين ] أي ما هذا إلا خرافات وأباطيل السابقين. ينكرون البعث، وينسون أنهم خلقوا من العدم، وأن الذي خلقهم أولا، قادر على أن يعيدهم ثانيا!
[ قل سيروا في الأرض ] أي قل لهؤلاء الكفار : سيروا في أرجاء الأرض
[ فانظروا كيف كان عاقبة المجرمين ] أي فانظروا - نظر اعتبار - كيف كان مال المكذبين للرسل ؟ ألم يهلكهم الله ويدمرهم ؟ فما حدث للمجرمين من قبل، يحدث للمجرمين من بعد، والآية وعيد وتهديد