[ إن تسمع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون ] أي ما تسمع - سماع تدبر وإفهام - إلا المؤمنين، ولا يستجيب لدعوتك إلا أهل الإيمان، وهم الذين انقادوا وأسلموا وجوههم للرحمن.. شبه تعالى من لا يسمع ولا يعقل بالموتى، في أنهم لا يسمعون وإن كانوا أحياء، ثم شبههم ثانيا بالصم وبالعمى وإن كانوا سليمي الحواس، وأكد عدم سماعهم بقوله :[ إذا ولوا مدبرين ] لأن الأصم إذا أدبر زاد صممه أو عدم سماعه بالكلية، والغرض من الآية أن هؤلاء الكفار كالموتى، وكالصم، وكالعمي، لا يفهمون ولا يسمعون، ولا يبصرون، ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل الكونية، أو الآيات القرآنية
[ وإذا وقع القول عليهم ] هذا بيان لما يكون بين يدي الساعة، أي وإذا قرب نزول العذاب وقيام الساعة، وحان وقت عذاب الكفار
[ أخرجنا لهم دابة من الأرض تكلمهم إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون ] أي أخرجنا للكفار هذه الآية الكبيرة (دابة الأرض ) تكلم الناس وتناظرهم وتقول من جملة كلامها : ألا لعنة الله على الظالمين، الذين لا يصدقون ولا يؤمنون بآيات الله، وخروج الدابة من أشراط الساعة، ففي الحديث الشريف :(لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات.. وعد منها طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة.. ) الحديث (( اخرجه الإمام أحمد في المسند، وفي صحيح مسلم " إن اول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها، وخروج الدابة على الناس ضحى، وأيتهما كانت قبل صاحبتها فألاخرى على إثرها قريبا " ))، قال ابن كثير : هذه الدابة تخرج في آخر الزمان، عند فساد الناس، وتركهم أوامر الله، وتبديلهم الدين الحق، فتكلم الناس وتخاطبهم مخاطبة، قالى ابن عباس : تكلمهم كلاما فتقول لهم : إن الناس كانوا بآياتنا لا يوقنون، وروي أن خروجها حين ينقطع الخير، ولا يؤمر بمعروف، ولا ينهى عن منكر، ولا يبقى منيب ولا تائب، وهي آية خاصة خارقة للعادة، ثم ذكر تعالى بعض مشاهد القيامة فقال سبحانه :
[ ويوم نحشر من كل أمة فوجا ] أي واذكر يوم نجمع للحساب والعقاب من كل أمة من الأمم جماعة وزمرة
[ ممن يكذب بآياتنا ] أي من الجاحدين المكذبين بآياتنا ورسلنا
[ فهم يوزعون ] أي فهم يجمعون ثم يساقون سوقا كما تساق الأنعام، ويحبس أولهم على آخرهم، حتى يتلاحقوا ويجتمعوا
[ حتى إذا جاءوا قال أكذبتم بآياتي ولم تحيطوا بها علما ] أي حتى إذا حضروا موقف الحساب والسؤال قال لهم تعالى موبخا ومقرعا : أكذبتم بآياتي المنزلة على رسلي من غير فكر ولا نظر يؤدي إلى إحاطة العلم بكذبها، أو معرفة صدقها ؟
[ أم ماذا كنتم تعملون ] تقريع وتوبيخ آخر أي أي شيء كنتم تعملونه في الدنيا ؟ وبخهم أولا بقوله :[ أكذبتم بآياتي ] ثم اضرب عنه إلى استفهام تقرير وتبكيت كأنه قيل : دعوا ما نسبته إليكم من التكذيب وقولوا لي : أي شئ كنتم تعملونه في الدنيا غير التكذيب ؟
[ ووقع القول عليهم بما ظلموا ] أي بهتوا فلم يكن لهم جواب، وقامت عليهم الحجة، وحق عليهم العذاب، بسبب ظلمهم وتكذيبهم بآيات الله
[ فهم لا ينطقون ] أي فهم لا يتكلمون، لأنه ليس لهم عذر ولا حجة، وقد شغلوا بالعذاب عن الجواب، شأن المجرم الذي تدفعه الأدلة، فيلجم لسانه، ويضطرب جنانه.. ثم لما ذكر تعالى أهوال القيامة، ذكر الأدلة والبراهين على التوحيد والحشر والنشر، مبالغة في الإرشاد إلى الإيمان فقال سبحانه :
[ ألم يروا أنا جعلنا الليل ليسكنوا فيه والنهار مبصرا ] ؟ أي ألم يروا قدرة الله، فيعتبروا أنه تعالى جعل الليل مظلما، ليناموا ويستريحوا من تعب الحياة، وجعل النهار منيرا مشرقا ليتصرفوا فيه في طلب المعاش والرزق ؟