[ إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون ] أي إن في تقليب الليل والنهار من نور إلى ظلمة، ومن ظلمة إلى نور، لآيات باهرة، ودلائل قاطعة على قدرة الله، لقوم يصدقون فيعتبرون.. ثم أشار تعالى إلى أحوال الناس في الآخرة فقال سبحانه :
[ ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ] أي واذكر يوم ينفخ إسرافيل في الصور (نفخة الفزع ) فلا يبقى أحد من أهل السموات والأرض، إلا خاف وفزع، إلا من شاء الله من الملائكة والأنبياء والشهداء، قال المفسرون : هذه نفخة الفزع، ثم تتلوها نفخة الصعق - وهو الموت - ثم بعد ذلك نفخة النشور أي الخروج من القبور وهي نفخة القيام لرب العالمين، قال أبو هريرة : إن الملك له في الصور ثلاث نفخات : نفخة الفزع - وهو فزع الحياة الدنيا - وليس بالفزع الأكبر، ونفخة الصعق، ونفخة القيام من القبور
[ وكل أتوه داخرين ] أي وكل من الأموات الذين أحياهم الله، أتوا ربهم صاغرين مطيعين، لم يتخلف منهم أحد
[ وترى الجبال تحسبها جامدة ] أي وترى أيها المخاطب الجبال تظنها ثابتة في مكانها وواقفة
[ وهي تمرمر السحاب ] أي وهي تسير سيرا سريعا كالسحاب، قال الإمام الفخر : ووجه حسبانهم أنها جامدة أن الأجسام الكبار، إذا تحركت حركة سريعة على نهج واحد، ظن الناظر اليها أنها واقفة، مع أنها تمر مرا سريعا (( هذه الاية الكريمة، تكاد تكون صريحة في (حركة الأرض ودورانها) وهي إحدى معجزات القرآن العلمية، التي لم يعرفها العلماء إلا فى العصر الحديث (عصر المكتشفات والمخترعات ) عصر المراكب الفضائية، والأقمار الصناعية، حينما دار رواد الفضاء حول الأرض، ووصلوا إلى سطح القمر، فحطوا مركبتهم عليه، وصوروا لنا الأرض وهي تشرق وتغرب، وتدور في هذا الفضاء الواسع، كما تشرق الشمس على أهل الأرض، وتغرب عنهم، فالآية تتحدث عن الدنيا، وليست كما يظن البعض أنها تتحدث عن الآخرة، للأدلة التي سنذكرها :
- أولا : الجبال تنسف في الدنيا وتتناثر قبل يوم القيامة، لقوله تعالى ﴿ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا﴾
- ثانيا : أمور الآخرة كلها حقائق، وليس فيها ظنون ولا أوهام، وهنا يقول سبحانه ﴿تحسبها جامدة﴾ أي تظنها واقفة غير متحركة،
- ثالثا : قوله تعالى ﴿وهي تمر مر السحاب ﴾ اي تسير سيرا سريعا كسير السحاب، فقد أثبت لها السير والحركة،
- رابعا : الإخبار عن هذه الحركة الدائبة بأنها من قدرة الله وإبداعه ﴿صنع الله الذي اتقن كل شىء﴾ والخراب والدمار لا يسمى صنعا ولا يوصف بالإتقان،
- خامسا : الحديث الشريف الذي رواه البخاري ومسلم (يحشر الناس يوم القيامة، على ارض بيضاء عفراء، كقرصة النقي ليس فيها علم لأحد) يشير إلى عدم وجود جبال ))
[ صنع الله الذى أتقن كل شيء ] أي ذلك صنع الله البديع، الذي أحكم كل شيء خلقه، وأودع فيه من الحكمة ما أودع
[ إنه خبير بما تفعلون ] أي هو عليم بما يفعل العباد، من خير وشر، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء! ! ثم بين تعالى حال السعداء والأشقياء، في ذلك اليوم الرهيب فقال سبحانه :
[ من جاء بالحسنة فله خير منها ] أي من جاء يوم القيامة بحسنة من الحسنات، فإن الله يضاعفها له إلى عشر حسنات، ويعطيه على العمل القليل، الثواب الجزيل
[ وهم من فزع يومئذ آمنون ] أي وهم من خوف ذلك اليوم العصيب آمنون، كما قال تعالى :[ لا يحزنهم الفزع الأكبر ]
[ ومن جاء بالسيئة فكبت وجوههم في النار ] قال ابن عباس : السيئة : الإشراك بالله، أي ومن جاء يوم القيامة مسيئا لا حسنة له أو مشركا بالله، فإنه يمكث في جهنم على وجهه منكوسا، ويلقى فيها مقلوبا


الصفحة التالية
Icon