[ تلك آيات الكتاب المبين ] أى هذه آيات القرآن الواضح الجلى، الظاهر في إعجازه، الواضح في تشريعه وأحكامه
[ نتلوا عليك من نبأ موسى وفرعون بالحق ] أى نقرأ عليك يا أيها الرسول بواسطة الروح الأمين، من الأخبار الهامة عن موسى وفرعون، من الحق الذي لا يأتيه الباطل، والصدق الذي لا ريب فيه ولا كذب
[ لقوم يؤمنون ] أى لقوم يصدقون بالقرآن فينتفعون.. ثم بدأ تعالى بذكر قصة فرعون الطاغية فقال :
[ إن فرعون علا فى الأرض ] أى استكبر وتجبر، وجاوز الحد في الطغيان، في أرض مصر
[ وجعل أهلها شيعا ] أى جعل أهلها فرقا وأصنافا، في استخدامه وطاعته
[ يستضعف طائفة منهم ] أى يستعبد ويستذل فريقا منهم، وهم (بنو إسرائيل ) فيسومهم سوء العذاب
[ بذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ] أى يقتل أبناءهم الذكور، ويترك الإناث على قيد الحياة، لخدمته وخدمة الأقباط، قال المفسرون : سبب تقتيله الذكور أن فرعون رأى في منامه، أن نارا عظيمة أقبلت من بيت المقدس وجاءت إلى أرض مصر، فأحرقت القبط دون بني اسرائيل، فسأل عن ذلك المنجمين والكهنة، ققالوا له : إن مولودا يولد فى بني إسرائيل، يذهب ملكك على يديه، ويكون هلاكك بسببه، فأمر أن يقتل كل ذكر من أولاد بني إسرائيل
[ إنه كان من المفسدين ] أى من الراسخين في الفساد، المتجبرين في الأرض، ولذلك ادعى الربوبية وأمعن في القتل وإذلال العباد
[ ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ] أى ونريد برحمتنا أن نتفضل وننعم على المستضعفين من بني إسرائيل، فننجيهم من بأس فرعون وطغيانه
[ ونجعلهم أئمة ] أى ونجعلهم ائمة يقتدى بهم قي الخير، بعد أن كانوا أذلاء مسخرين، قال ابن عباس :[ أئمة ] قادة في الخير، وقال قتادة : ولاة وملوكا
[ ونجعلهم الوارثين ] أي ونجعل هؤلاء الضعفاء، وارثين لملك فرعون وقومه، يرثون ملكهم ويسكنون مساكنهم، بعد أن كان القبط أسياد مصر وأعزتها
[ ونمكن لهم في الأرض ] أى ونملكهم بلاد مصر والشام، يتصرفون فيها كيف يشاءون، قال البيضاوي : أصل التمكين أن تجعل للشيء مكانا يتمكن فيه، ثم استعير للتسليط وإطلاق الأمر
[ ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون ] أى ونري فرعون الطاغية، ووزيره " هامان " والأقباط من أولئك المستضعفين ما كانوا يخافونه من ذهاب ملكهم، وهلاكهم على يد مولود من بني إسرائيل
[ وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه ] أى قذفنا في قلبها بواسطة الإلهام، قال ابن عباس : وهو وحي إلهام، وقال مقاتل : أخبرها جبريل بذلك، قال القرطبي : قعلى قول " مقاتل " هو وحي إعلام لا إلهام، واجمع الكل على أنها لم تكن نبية، وإنما إرسال الملك إليها، على نحو تكليم (الملك ) للأقرع والأبرص والأعمى، كما في الحديث المشهور، وكذلك تكليم الملائكة للناس من غير نبوة، وقد سلمت على (عمران بن حصين ) فلم يكن نبيا
[ فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ] أى فإذا خفت عليه من فرعون فاجعليه في صندوق، وألقيه في البحر ( بحر النيل )
[ ولا تخافي ولا تحزني ] أى لا تخافي عليه الهلاك، ولا تحزني لفراقه
[ إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ] أى فإنا سنرده إليك، ونجعله رسولا نرسله إلى هذا الطاغية، لننجي بني إسرائيل على يديه
[ فألتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ] أى فأخذه وأصابه أعوان فرعون، لتكون عاقبة الأمر أن يصبح لهم عدوا، ومصدر حزن وبلاء وهلاك، قال القرطبي : اللام في (ليكون ) لام العاقبة ولام الصيرورة، لأنهم إنما أخذوه ليكون لهم قرة عين، فكان عاقبة ذلك أن صار لهم عدوا وحزنا، فذكر الحال بالمال، كما قال الشاعر : وللمنايا تربي كل مرضعة ودورنا لخراب الدهر نبنيها


الصفحة التالية
Icon