[ فوجد فيها رجلين يقتتلان هذا من شيعته وهذا من عدوه ] أى فوجد شخصين يتقاتلان : أحدهما من بني إسرائيل من جماعة موسى، والآخر قبطى من جماعة فرعون
[ فاستغاثه الذي من شيعته على الذي هو عدوه ] أى فاستنجد الإسرائيلي بموسى، وطلب غوثه ليدفع عنه شر القبطي
[ فوكزه موسى فقضى عليه ] أى ضربه موسى بجمع كفه فقتله، قال القرطبي : فعل موسى ذلك، وهو لا يريد قتله، إنما قصد دفعه فكانت فى إزهاق نفسه وكانت القاضية
[ قال هذا من عمل الشيطان ] أى قال موسى : هذا من إغواء الشيطان، فهو الذي هيج غضبي حتى ضربته فقتلته
[ إنه عدو مضل مبين ] أى إن الشيطان عدو لابن آدم، مضل له عن سبيل الرشاد، ظاهر العداوة، قال الصاوي : نسبه إلى الشيطان من حيث إنه لم يؤمر بقتل القبطي، وظهر له أن قتله خلاف الأولى، لما يترتب عليه من الفتن، والشيطان تفرحه الفتن ولذلك ندم على فعله
[ قال رب إنى ظلمت نفسي فاغفر لي ] أى إني ظلمت نفسي بقتل النفس، فأعف عني، ولا تؤاخذني بخطيئتي
[ فغفر له إنه هو الغفور الرحيم ] أى إنه تعالى المبالغ في المغفرة للعباد، الواسع الرحمة لهم
[ قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ] أى بسبب إنعامك على بالقوة، وبحق ما أكرمتني به من الجاه والعز، فلن أكون عونا لأحد من المجرمين)، وهذه معاهدة عاهد موسى ربه عليها
[ فأصبح في المدينة خائفا بترقب ] أى فأصبح موسى في المدينة التي قتل فيها القبطي، خائفا على نفسه، يتوقع وينتظر المكروه، ويخاف أن يؤخذ بجريرته
[ فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه ] أى فإذا صاحبه الإسرائيلي الذي خلصه بالأمس، يقاتل قبطيا آخر، فلما رأى موسى أخذ يصيح به مستغيثا لينصره من عدوه
[ قال له موسى إنك لغوى مبين ] أى قال موسى للإسرائيلي : إنك لبين الغواية والضلال، فإني وقعت بالأمس فيما وقعت فيه من قتل رجل بسببك، وتريد أن توقعني اليوم في ورطة أخرى ؟
[ فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما ] أى فحين أراد موسى أن يبطش بذلك القبطي، الذي هو عدو له وللإسرائيلي
[ قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسأ بالأمس ] أى قال القبطي : أتريد قتلي كما قتلت غيري بالأمس (( هذا هو الظاهر أن القائل هو القبطي لا الاسرائيلي لأن قوله :﴿إن تريد إلا أن تكون جبارا﴾ لا يصدر من المؤمن وإنما من الكافر ))
[ إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض ] أى ما تريد يا موسى إلا أن تكون من الجبابرة المفسدين في الأرض
[ وما تريد أن تكون من المصلحين ] أى وما تريد أن تكون من الذين يصلحون بين الناس، ويعملون على التوقيع بين المتخاصمين.
البلاغة :
تضمنت الآيات من وجوه البيان والبديع ما يلي :
١ - الإشارة بالبعيد عن القريب لبعد مرتبته في الكمال [ تلك آيات الكتاب المبين ].
٢ - حكاية الحالة الماضية [ ونريد أن نمن ] لاستحضار تلك الصورة في الذهن.
٣ - إيثار الجملة الاسمية على الفعلية [ إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين ] ولم يقل سنرده ونجعله رسولا، وذلك للإعتناء بالبشارة لأن الجملة الاسمية تفيد الثبوت والاستمرار.
٤ - الاستعارة البديعة [ لولا أن ربطنا على قلبها ] شبه ما قذف الله في قلبها من الصبر، بربط الشيء المنفلت خشية الضياع، واستعار لفظ الربط للصبر، أى لولا أن صبرناها، على طريقة الاستعارة التمثيلية.
٥ - صيغة التعظيم [ لا تقتلوه ] تخاطب فرعون ولم تقل لا تقتله تعظيما له.
٦ - صيغة المبالغة [ جبار، غوى، مبين ] لأن فعال وفعيل من صيغ المبالغة.
٧ - الطباق المعنوي [ جبارا.. وما تريد أن تكون من المصلحين ] لأن الجبار المفسد المخرب، المكثر للقتل وسفك الدماء ففيه طباق في المعنى.
٨ - الاستعطاف [ رب بما أنعمت على فلن أكون ظهيرا للمجرمين ].