[ قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير ] أى من عادتنا التأني حتى ينصرف الرعاة مع أغنامهم، ولا طاقة لنا على مزاحمة الأقوياء، ولا نريد مخالطة الرجال، وأبونا رجل مسن، لا يستطيع لضعفه أن يباشر سقاية الغنم، ولذلك اضطررنا إلى أن نسقي بأنفسنا، قال أبو حيان : فيه اعتذار لموسى عن مباشرتهما السقي، بأنفسهما، وتنبيه على أن أباهما لا يقدر على السقي، لشيخوخته وكبره، واستعطاف لموسى في إعانتهما
[ فسقى لهما ثم تولى إلى الظل ] أى فسقى لهما غنمهما رحمة بهما، ثم تنحى جانبا فجلس تحت ظل شجرة
[ فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ] أى إني يا رب محتاج إلى فضلك وإحسانك، وإلى الطعام الذي أسد به جوعي، طلب من الله ما يأكله، وكان قد اشتد عليه الجوع، قال الضحاك : مكث سبعة أيام لم يذق فيها طعاما إلا بقل الأرض وقال ابن عباس : سار موسى من مصر إلى مدين ) ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر، وكان حافيا فما وصل إلى مدين، حتى سقطت نعل قدميه، وجلس في الظل - وهو صفوة الله من خلقه - وأن بطنه للاصق بظهره من الجوع، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه، وإنه لمحتاج إلى شق تمرة
[ فجاءته إحداهما تمشي على استحياء ] في الكلام اختصار تقديره : فذهبتا إلى أبيهما سريعتين، وكان من عادتهما الإبطاء، فحدثتاه بما كان من أمر الرجل، فأمر إحداهما أن تدعوه له، فجاءته تمشي.. إلخ أى جاءته حال كونها تمشي مشية الحرائر، بحياء وخجل، قد سترت وجهها بثوبها، قال عمر : لم تكن بسلفع من النساء خراجة ولاجة (( والسلفع : الجريئة السليطة الجسور، أفاده الجوهري ))
[ قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا ] أى إن أبي يطلبك ليعوضك عن أجر السقاية لغنمنا، قال ابن كثير : وهذا تأدب في العبارة، لم تطلبه طلبا مطلقا لئلا يوهم ريبة
[ فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين ] أى فلما جاءه موسى، وذكر له ما كان من أمره، وسبب هربه من مصر، قال له شعيب : لا تخف فأنت في بلد آمن، لا سلطان لفرعون عليه، وقد نجاك الله من كيد المجرمين
[ قالت إحداهما يا أبت استأجره ] أى استأجره لرعي أغنامنا وسقايتها
[ إن خير من استأجرت القوي الأمين ] أى إن أفضل من تستأجره من كان قويا أمينا، قال ابو حيان : وقولها كلام حكيم جامع، لأنه إذا اجتمعت الكفاية والأمانة في القائم بأمر من الأمور فقد تم المقصود، روي أن شعيبا مال لها : وما أعلمك بقوته وأمانته ؟ فقالت : إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال، وإني لما جئت معه تقدمت أمامه فقال لي : كوني من ورائي ودليني على الطريق، ولما أتيته خفض بصره فلم ينظر إلى، فرغب شعيب في مصاهرته وتزويجه بإحدى بناته
[ قال إني أريد أن أنكحك إحدى إبنتي هاتين ] أى إني أريد أن أزوجك إحدى بنتى هاتين، الصغرى أو الكبرى
[ على أن تأجرني ثماني حجج ] أى بشرط أن تكون أجيرا لي ثمان سنين ترعى فيها غنمي
[ فإن أتممت عشرا فمن عندك ] أى فإن أكملتها عشر سنين، فذلك تفضل منك، وليس بواجب عليك
[ وما أريد أن أشق عليك ] أى وما أريد أن أوقعك في المشقة باشتراط العشر
[ ستجدني إن شاء الله من الصالحين ] أى ستجدني إن شاء الله حسن المعاملة، لين الجانب، وفيا بالعهد، قال القرطبي : في الآية عرض الولي ابنته على الرجل، وهذه سنة قائمة، عرض شعيب ابنته على موسى، وعرض عمر ابنته " حفصة، على أبي بكر وعثمان، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي (ص) فمن الحسن عرض الرجل وليته على الرجل الصالح، اقتداء بالسلف الصالح


الصفحة التالية
Icon