[ قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان على ] أى قال موسى : إن ما قلته وعاهدتني عليه قائم بيننا جميعا لا نخرج عنه، وأى المدتين الثمانية أو العشرة أديتها لك، فلا إثم ولا حرج على
[ والله على ما نقول وكيل ] أى والله شاهد على ما تعاهدنا وتواثقنا عليه
[ فلما قضى موسى الأجل ] أى فلما أتم موسى المدة التي اتفقا عليها، قال ابن عباس : قضى أتم الأجلين وأكملهما وأوفاهما وهو عشر سنين
[ وسار بأهله ] أى ومشى بزوجته مسافرا بها إلى مصر ] أنس من جانب الطور نارا ] أى أبصر من بعيد نارا تتوهج، من جانب جبل الطور
[ قال لأهله امكثوا إني أنست نارا ] أى قال لزوجته : أمكثى هنا فقد أبصرت نارا عن بعد، قال المفسرون : كانت ليلة باردة وقد أضلوا الطريق، وهبت ريح شديدة فرقت ماشيته، وأخذ أهله الطلق، قعند ذلك أبصر نارا بعيدة، فسار إليها لعله يجد من يدله على الطريق، فذلك قوله تعالى :
[ لعلي أتيكم منها بخبر ] أى لعلي أتيكم بخبر الطريق، وأرى من يدلني عليه
[ أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ] أى أو أتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون بها
[ فلما أتاها نودي من شاطىء الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة ] أي فلما وصل إلى مكان النار، لم يجدها نارا وإنما وجدها نورا، وجاءه النداء من جانب الوادي الأيمن، في ذلك المكان المبارك من ناحية الشجرة
[ أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين ] أى نودي يا موسى إن الذي يخاطبك ويكلمك، هو أنا الله العظيم الكبير، المنزه عن صفات النقص، رب الإنس والجن والخلائق أجمعين
[ وأن ألق عصاك ] أى ونودي بأن اطرح عصاك التي في يدك
[ فلما رأها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب ] أى فألقاها فانقلبت إلى حية، فلما رأها تتحرك كأنها ثعبان خفيف سريع الحركة، انهزم هاربا منها ولم يلتفت إليها، قال ابن كثير : انقلبت العصا إلى حية، وكانت كأنها جان في حركتها السريعة مع عظم خلقتها، واتساع فمها، واصطكاك أنيابها، بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها تنحدر في فمها تتقعقع، كأنها حادرة في واد، فعند ذلك ولى مدبرا ولم يلتفت، لأن طبع البشرية ينفر من ذلك (( يقول سيد قطب عليه الرحمة والرضوان " وألقى موسى عصاه إطاعة لأمر مولاه، ولكن ماذا حدث ؟ إنها لم تعد عصاه التي صاحبها طويلا والتي يعرفها معرفة اليقين، ولكنها حية تدب في سرعة، وتتحرك في خفة، وتتلوى كصغار الحيات وهى حية كبرى، إنها المفاجأة التي لم يستعد لها، ولذلك ولى مدبرا ولم يعقب، لم يفكر في العودة إليها ليتبين ماذا بها، وليتأمل هذه العجيبة الضخمة، ثم يستمع إلى ربه الأعلى ﴿يا موسى أقبل ولا تخف انك من الأمنين ﴾ وكيف لا يأمن من ترعاه عين الله ؟ ثم يأتيه النداء مرة أخرى ﴿اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء﴾ وأطاع موسى الأمر، وأدخل يده فى فتحة ثوبه عند صدره ثم أخرجها، فاذا هي المفاجأة الثانية في اللحظة الواحدة، إنها بيضاء لامعة مشعة من غير مرض، وقد عهدها أدماء تضرب إلى السمرة، إنها إشارة إلى إشراق الحق، ووضوح الآية، ونصاعة الدليل " تفسير الظلال لسيد قطب ))
[ يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الأمنين ] أى فنودي يا موسى : ارجع إلى حيث كنت، ولا تخف فأنت أمن من المخاوف، فرجع وأدخل يده في فم الحية فعادت عصا
[ اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء ] أى أدخل يدك في جيب قميصك - وهو فتحة الثوب مكان دخول الرأس - ثم أخرجها تخرج مضيئة منيرة تتلألأ كأنها قطعة قمر، في لمعان البرق، من غير أذى ولا برص