[ واضمم إليك جناحك من الرهب ] قال ابن عباس : اضمم يدك إلى صدرك من الخوف يذهب عنك الرعب، والمراد بالجناح اليد، لأن يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطائر، وإذا أدخل يده اليمنى تحت عضده اليسرى فقد ضم جناحه إليه، وبذلك يذهب عنه الخوف من الحية ومن كل شيء
[ فذلك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه ] أى فهذان - (العصا) و(اليد) - دليلان قاطعان، وحجتان نيرتان واضحتان من الله تعالى تدلان على صدقك، وهما آيتان إلى فرعون وأشراف قومه الطغاة المتجبرين
[ إنهم كانوا قوما فاسقين ] أي خارجين عن طاعتنا، مخالفين لأمرنا
[ قال رب إني قتلت منهم نفسا فأخاف أن يقتلون ] أى قال موسى : يا رب إني قتلت قبطيا من آل فرعون، وأخشى إن أتيتهم أن يقتلوني به، قال المفسرون : هو القبطي الذي وكزه فمات، فطلب من ربه ما يزداد به قوة على مجابهة فرعون، بارسال أخيه هارون معه فقال :
[ وأخي هارون هو أفصح مني لسانا ] أى هو أوضح بيانا، وأطلق لسانا، لأن موسى كان في لسانه حبسة من أثر الجمرة التي تناولها في صغره
[ فأرسله معى ردءا يصدقني ] أى فأرسله معي معينا يبين لهم عنى ما أكلمهم به، بتوضيح الحجج والبراهين
[ إني أخاف أن يكذبون ] أى أخاف إن لم يكن لي وزير ولا معين أن يكذبوني، لأنهم لا يكادون يفقهون عني، قال الرازي : والمعنى أرسل معي أخي هارون حتى يعاضدني على إظهار الحجة والبيان، وليس الغرض بتصديق هارون أن يقول له : صدقت، أو يقول للناس : صدق موسى، وإنما هو أن يلخص بلسانه الفصيح وجوه الدلائل، ويجيب عن الشبهات، ولجادل به الكفار
[ قال سنشد عضدك بأخيك ونجعل لكما سلطانا ] أى أجابه تعالى إلى طلبه وقال له : سنقويك بأخيك ونعينك به، ونجعل لكما غلبة وتسلطا على فرعون وقومه
[ فلا يصلون إليكما بآياتنا ] أي لا سبيل لهم إلى الوصول إلى أذاكما، بسبب ما أيدتكما به من المعجزات الباهرات
[ أنتما ومن اتبعكما الغالبون ] أى العاقبة لكما ولأتباعكما في الدنيا والآخرة، وأنتم الغالبون على القوم المجرمين، كقوله تعالى :[ كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوى عزيز ]
[ فلما جاءهم موسى بآياتنا بينات ] أى فلما جاءهم موسى بالبراهين الساطعة، والمعجزات القاطعة، الدالة على صدقه وإنه رسول من عند الله
[ قالوا ما هذا إلا سحر مفترى ] أى ما هذا الذي جاءنا به موسى من العصا واليد، إلا سحر مكذوب مختلق، افتراه من قبل نفسه ونسبه إلى الله
[ وما سمعنا بهذا في أبائنا الأولين ] أى وما سمعنا بمثل هذه الدعوى -دعوى التوحيد - في أبائنا وأجدادنا السابقين
[ وقال موسى ربى أعلم بمن جاء بالهدى من عنده ومن تكون له عاقبة الدار ] أجمل موسى في جوابهم تلطفا في الخطاب، وإيثارا لأحسن الوجوه في المجادلة معهم، والمعنى : إن ما جئتكم به حق وهدى، وليس بسحر، وربي عالم بذلك يعلم أني محق وأنتم مبطلون، ويعلم من تكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة
[ إنه لا يفلح الظالمون ] أى لا يسعد ولا ينجح من كان ظالما فاجرا، كاذبا على الله
[ وقال فرعون يا أيها الملأ ما علمت لكم من إلها غيرى ] أى قال فرعون لأشراف قومه وسادتهم : ما علمت لكم إلها غيري، فأنا الإله المعبود، لا إله غيري، قال ابن عباس : كان بين هذه القولة الفاجرة وبين قوله :[ أنا ربكم الأعلى ] أربعون سنة، وكذب عدو الله بل علم أن له ربا هو خالقه وخالق قومه
[ فأوقد لي يا هامان على الطين فأجعل لي صرحا ] أى فأطبخ لي يا هامان الآجر، فاجعل لي منه قصرا شامخا رفيعا
[ لعلي أطلع إلى إله موسى ] أى لعلي أرى وأشاهد إله موسى الذي زعم أنه ارسله ! ! قال ذلك على سبيل التهكم، ولهذا قال بعده :