[ بما صبروا ] أي بسبب صبرهم على اتباع الحق، وتحملهم الأذى في سبيل الله، قال قتادة : نزلت في أناس من أهل الكتاب، كانوا على شريعة من الحق، يأخذون بها وينتهون إليها، حتى بعث الله محمدا، فآمنوا به وصدقوه، فأعطاهم الله أجرهم مرتين بما صبروا، وذكر أن منهم " سلمان " " وعبد الله بن سلام "
[ ويدرءون بالحسنة السيئة ] أى ويدفعون الكلام القبيح، كالسب والشتم، بالحسنة أى بالكلمة الطيبة الجميلة، قال ابن كثير : لا يقابلون السيئ بمثله ولكن يعفون وبصفحون
[ ومما رزقناهم ينفقون ] أي ومن الذي رزقناهم من الحلال، ينفقون قي سبيل الخير
[ وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه ] أى وإذا سمعوا العتم والأذى من الكفار، وسمعوا ساقط الكلام، لم يلتفتوا إليه ولم يردوا على أصحابه
[ وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم ] أى لنا طريقنا ولكم طريقكم
[ سلام عليكم ] أى سلام متاركة ومباعدة، قال الزجاج : لم يريدوا التحية، وإنما أرادوا بيننا وبينكم المتاركة
[ لا نبتغي الجاهلين ] أى لا نطلب صحبتهم ولا نريد مخالطتهم، قال الصاوي : كان المشركون يسبون مؤمنى أهل الكتاب، ويقولون : تبا لكم أعرضتم عن دينكم وتركتموه ! فيعرضون عنهم، ويقولون : لنا أعمالنا ولكم أعمالكم مدحهم تعالى بالإيمان، ثم مدحهم بالإحسان، ثم مدحهم بالعفو والصفح عن أهل العدوان، ثم قال تعالى مخاطبا رسوله :
[ إنك لا تهدى من أحببت ] أى إنك يا محمد لا تقدر على هداية أحد، مهما بذلت فيه من مجهود، وجاوزت في السعى كل حد معهود
[ ولكن الله يهدى من يشاء ] أى ولكنه تعالى بقدرته، يهدي من قدر له الهداية، فسلم أمرك إليه، فإنه أعلم بأهل السعادة والشقاوة
[ وهو أعلم بالمهتدين ] أى هو تعالى العالم بمن فيه استعداد للهداية والإيمان فيهديه، نزلت في عمه " أبي طالب " حين عرض عليه الإسلام عند موته فأبى، قال أبو حيان : ومعنى [ إنك لا تهدى من أحببت ] أى لا تقدر على خلق الهداية فيه، ثم قال : ولا تنافي بين هذا وبين قوله :[ وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم ] لأن معنى هذا : وإنك لترشد، وقد أجمع المسلمون على أنها نزلت في " أبي طالب ".. ثم ذكر تعالى شبهة من شبهات المشركين، ورد عليها بالبيان الواضح فقال سبحانه :
[ وقالوا ان نتبع الهدى معك نتخطف من أرضنا ] أي وقال كفار قريش : إن اتبعناك يا محمد على دينك، وتركنا ديننا نخاف أن تتخطفنا العرب، فيجتمعون على محاربتنا، ويخرجوننا من أرضنا، قال المبرد : والتخظف الانتزاع بسرعة، قال تعالى ردا عليهم :
[ أولم نمكن لهم حرما أمنا ] أى أولم نعصنم دماءهم، نجعل مكانهم حرما ذا أمن، بحرمة البيت العتيق ؟ فكيف يكون الحرم أمنا لهم فى حال كفرهم، ولا يكون أمنا لهم في حال إسلامهم ؟
[ يجبى إليه ثمرات كل شيء رزقا من لدنا ] أى تخلب إليه الأرزاق من كل مكان، مع أنه بواد غير ذي زرع، رزقا لهم من عندنا
[ ولكن أكثرهم لا يعلمون ] أى ولكن أكثرهم جهلة، لا يتفكرون في ذلك ولا يتفطنون، قال أبو حيان : قطع الله حجتهم بهذا البيان الناصع، إذ كانوا وهم كفار بالله، عباد أصنام قد أمنوا في حرمهم، والناس في غيره يتقاتلون، وهم مقيمون في بلد غير ذي زرع، يجيء إليهم ما يحتاجون من الأقوات، فكيف إذا آمنوا واهتدوا ؟
[ وكم أهلكنا من قرية بطرت معيشتها ] أى وكثير من أهل قرية طغت وكفرت نعمة الله، فدمر الله عليهم وخرب ديارهم
[ فتلك مساكنهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلا ] أى فتلك مساكنهم خاوية بما ظلموا، لم تسكن من بعد تدميرهم إلا زمانا قليلا، إذ لا يسكنها إلا المارة والمسافرون، يوما أو بعض يوم


الصفحة التالية
Icon