[ وكنا نحن الوارثين ] أى وكنا نحن الوارثين لأملاكهم وديارهم، قال في البحر : والآية تخويف لأهل مكة، من سوء عاقبة قوم، كانوا في مثل حالهم، من إنعام الله عليهم بالرقود فى ظلال الأمن، وخفض العيش، فكفروا النعمة، وقابلوها بالأشر والبطر، فدمرهم الله وخرب ديارهم
[ وما كان ربك مهلك القرى ] أى ما جرت عادة الله جل شأنه أن يهلك أهل القرى الكافرة
[ حتى يبعث في أمها رسولا يتلوا عليهم آياتنا ] أى حتى يبعث في أصلها وعاصمتها، رسولا يبلغهم رسالة الله، لقطع الحجج والمعاذير
[ وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون ] أى وما كنا لنهلك القرى إلا وقد استحق أهلها الإهلاك، لإصرارهم على الكفر بعد الإعذار إليهم ببعثة المرسلين، قال القرطبي : أخبر تعالى أنه لا يهلكهم إلا إذا استحقوا الإهلاك بظلمهم، وفي هذا بيان لعدله، وتقدسه عن الظلم، ولا يهلكهم - مع كونهم ظالمين - إلا بعد تأكيد الحجة، والإلزام ببعثة الرسل، ولا يجعل علمه تعالى بأحوالهم حجة عليهم
[ وما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وزينتها ] أى وما أعطيتم أيها الناس من مال وخير، فهو متاغع قليل تتمتعون به في حياتكم ثم ينقضي ويفنى، قال ابن كثبر : يخبر تعالى عن حقارة الدنيا وما فيها من الزينة الدنيئة، والزهرة الفانية، بالنسبة إلى ما أعده الله لعباده الصالحين، في الدار آلاخرة، من النعيم العظيم المقيم
[ وما عند الله خير وأبقى ] أى وما عنده من الأجر والثواب، والنعيم الدائم الباقي، خير وأفضل من هذا النعيم الزائل
[ أفلا تعقلون ] ؟ توبيخ لهم، أى أفلا تعقلون أن الباقي أفضل من الفاني ؟ قال الإمام الفخر : بين تعالى أن منافع الدنيا مشوبة بالمضار، بل المضار فيها أكثر، ومنافع الآخرة غير منقطعة، بينما منافع الدنيا منقطعة، ومتى قوبل المتناهي بغير المتناهي كان عدما، فكيف ونصيب كل أحد من الدنيا كالذرة بالقياس إلى البحر، فمن لم يرجح منافع الآخرة على منافع الدنيا يكون كأنه خارج عن حد العقل
[ أفمن وعدناه وعدا حسنا فهو لاقيه ] أى أفمن وعدناه وعدا قاطعا بالجنة وما فيها من النعيم المقيم الخالد، فهو لا محالة مدركه، لأن وعد الله لا يتخلف
[ كمن متعناه متاع الحياة الدنيا ] ؟ أى كمن متعناه بمتاع زائل، مشوب بالأكدار، مملوء بالمتاعب، مستتبع للحسرة على انقطاعه ؟
[ ثم هو يوم القيامة من المحضرين ] أى ثم هو في الآخرة من المحضرين للعذاب، فهل يساوي العاقل بينهما ؟ قال ابن جزي : والآية إيضاح لما قبلها من البون الشاسع بين الدنيا والآخرة، والمراد بمن وعدناه : المؤمنين، وبمن متعناه : الكافرين
[ ويوم يناديهم فيقول أى شركائي الذي كنتم تزعمون ] أى وأذكر حا ل المشركين، يوم يناديهم الله فيقول لهم على سبيل التوبيخ والتقريع : أين هؤلاء الشركاء والآلهة من الأصنام والأنداد ؟ الذين عبدتموهم من دوني، وزعمتم أنهم ينصرونكم ويشفعون لكم ؟
[ قال الذين حق عليهم القول ] أى قال رؤساؤهم وكبراؤهم، الذين وجب عليهم العذاب لضلالهم وطغيانهم
[ ربنا هؤلاء الدين أغوينا ] أى هؤلاء أتباعنا الذين أضللناهم عن سبيلك
[ أغويناهم كما غوينا ] أى أضللناهم كما ضللنا، لا بالقسر والإكراه، ولكن بطريق الوسوسة وتزيين القبيح، فضلوا كما ضللنا نحن
[ تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون ] أى تبرأنا إليك يا الله من عبادتهم إيانا، فما كانوا يعبدوننا، وإنما كانوا يعبدون أهواءهم وشهواتهم
[ وقيل ادعوا شركاءكم ] أى وقيل للكفار : استغيثوا بآلهتكم التي عبدتموها في الدنيا لننصركم، وتدفع عنكم عذاب الله ! ؟ وهذا على سبيل التهكم والسخرية بهم
[ فدعوهم فلم يستجيبوا لهم ] أى فاستغاثوا بهم، فلم يجيبوهم ولم ينتفعوا بهم، وهذا من سخافة عقولهم


الصفحة التالية
Icon