[ ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار ] أى ومن آثار قدرته، ومظاهر رحمته، أن خلق لكم الليل والنهار يتعاقبان، بدقة واحكام
[ لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ] أى لتستريحوا بالليل من نصب الحياة وهمومها وأكدارها، ولتلتمسوا من رزقه، بالمعاش والكسب في النهار
[ ولعلكم تشكرون ] أى ولتشكروا ربكم على نعمه الجليلة التي لا تحصى، ومنها نعمة الليل والنهار، قال الإمام الفخر : نبه تعالى بهذه الآية على أن الليل والنهار نعمتان، يتعاقبان على الزمان، لأن المرء فى الدنيا مضطر إلى أن يتعب لتحصيل ما يحتاج إليه، ولا يتم له ذلك لولا ضوء النهار، ولولا الراحة والسكون بالليل، فلابد منهما في الدنيا، وأما في الجنة فلا نصب ولا تعب، فلا حاجة بهم إلى الليل، فلذلك يدوم لهم الضياء واللذات
[ ويوم يناديهم أين شركائي الذين كنتم تزعمون ] هذا نداء آخر على سبيل التوبيخ والتقريع، لمن عبد مع الله إلها آخر، يناديهم الله على رءوس الأشهاد : اين شركائي الذين زعمتموهم في الدنيا ؟ ادعوهم لينقذوكم من العذاب ! !
[ ونزعنا من كل أمة شهيدا ] أى أخرجنا من كل أمة شهيدا منهم، يشهد عليهم بأعمالهم، وهو نبيهم
[ فقلنا هاتوا برهانكم ] أى هاتوا حجتكم على ما كنتم عليه من الكفر، وهذا إعذار لهم وتوبيخ وتعجيز
[ فعلموا أن الحق لله ] أى فعلموا حينئذ أن الحق لله ولرسله، وأنه لا إله إلا هو
[ وضل عنهم ما كانوا يفترون ] أي وغاب عنهم غيبة الشيء الضائع، ما كانوا يتخرصونه في الدنيا من الشركاء والأنداد.. ثم ذكر تعالى قصة " قارون " ونتيجة الغرور والطغيان فقال سبحانه :
[ إن قارون كان من قوم موسى ] أى من عشيرته وجماعته، قال ابن عباس : كان ابن عم موسى
[ فبغى عليهم ] أى تجبر وتكبر على قومه، واستعلى عليهم، بسبب ما منحه الله من الكنوز والأموال، قال الطبري : أى تجاوز حده في الكبر والتجبر عليهم
[ وآتيناه من الكنوز ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولي القوة ] أى أعطيناه من الأموال الوقيرة، والكنوز الكثيرة، ما يثقل على الجماعة أصحاب القوة، حمل مفاتيح خزائنه لكثرتها وثقلها، فضلا عن حمل الخزائن والأموال، والآية تصوير لما كان عليه (قارون ) من كثرة المال والغنى والثراء
[ إذ قال له قومه لا تفرح ] أى لا تأشر ولا تبطر
[ إن الله لا يحب الفرحين ] أى لا يحب البطرين الذين لا يشكرون الله على إنعامه، ويتكبرون بأموالهم على عباد الله
[ وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ] أى اطلب فيما أعطاك الله من الأموال رضى الله، وذلك بفعل الحسنات والصدقات، والإنفاق في الطاعات
[ ولا تنس نصيبك من الدنيا ] قال الحسن : أى لا تضيع حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه (( وقيل معناه : لا تضيع عمرك بترك الأعمال الصالحات وهو مروي عن ابن عباس ومجاهد، وما قاله الحسن وقتادة أظهر، وهو اختيار الحافظ ابن كثير ))
[ وأحسن كما أحسن الله إليك ] أى أحسن إلى عباد الله كما أحسن الله إليك
[ ولا تبغ الفساد في الأرض ] أى لا تطلب بهذا المال البغي والتطاول على الناس، والإفساد في الأرض بالمعاصي
[ إن الله لا يحب المفسدين ] أي لا يحب من كان مجرما باغيا مفسدا في الأرض
[ قال إنما أوتيته على علم عندي ] لما وعظه قومه بتلك الموعظة، أجابهم بهذا القول، على وجه الرد عليهم، والتكبر عن قبول الموعظة، والمعنى : إنما أعطيت هذا المال على علم عندي بوجوه المكاسب، ولولا رضى الله عني ومعرفته بفضلي، واستحقاقي له ما أعطاني هذا المال !! قال تعالى ردا عليه :


الصفحة التالية
Icon