[ أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ] أى أولم يعلم هذا الأحمق المغرور، أن الله قد أهلك من قبله من الأمم الخالية، من هو أقوى منه بدنا وأكثر مالا ؟ ! قال البيضاوي : والآية تعجب وتوبيخ، على اغتراره بقوته وكثرة ماله، مع علمه بذلك، لأنه قرأه في التوراة، وسمعه من حفاظ التواريخ
[ ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون ] أي لا حاجة أن يسألهم الله عن كيفية ذنوبهم وكميتها، لأنه عالم بكل شيء، ولا يتوقف إهلاكه إياهم على سؤالهم، بل متى حق عليهم العذاب، أهلكهم بغتة.. ثم أشار تعالى إلى أن قارون لم يعتبر بنصيحة قومه، بل تمادى قي غطرسته وغيه فقال تعالى :
[ فخرج على قومه في زينته ] أى فخرج قارون على قومه في أظهر زينة وأكملها، قال المفسرون : خرج ذات يوم في زينة عظيمة، بأتباعه الكثيرين، ركبانا متحلين بملابس الذهب والحرير، على خيول موشحة بالذهب، ومعه الجواري والغلمان، في موكب حافل باهر
[ قال الذين يريدون الحياة الدنيا يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون ] أى فلما رآه ضعفاء الإيمان، ممن تخدعهم الدنيا ببريقها وزخرفها وزينتها، قالوا : يا ليت لنا مثل هذا الثراء والغنى، الذي أعطيه قارون ! !
[ إنه لذو حظ عظيم ] أى ذو نصيب وافر من الدنيا
[ وقال الذين أوتوا العلم ] أى وقال لهم العقلاء من أهل العلم والفهم والاستقامة
[ ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحا ] أى ارتدعوا وانزجروا عن مثل هذا الكلام، فإن جزاء الله لعباده المؤمنين الصالحين، خير مما ترون وتتمنون من حال قارون، قال الزمخشري : أصل [ ويلك ] الدعاء بالهلاك ثم استعمل في الزجر والردع، والبعث على ترك ما لا يرتضى
[ ولا يلقاها إلا الصابرون ] أى ولا يعطى هذه المرتبة والمنزلة في الآخرة، إلا الصابرون على أمر الله، قال تعالى تنبيها لنهايته المشئومة
[ فخسفنا به وبداره الأرض ] أى جعلنا الأرض تغور به وبكنوزه، جزاء على عتوه وبطره
[ فما كان له من فئة ينصرونه من دون الله ] أى ما كان له أحد من الأنصار والأعوان، يدفعون عنه عذاب الله
[ وما كان من المنتصرين ] أى وما كان من المنتصرين بنفسه، بل كان من الأشقياء الهالكين
[ وأصبح الذين تمنوا مكانه بالأمس ] أى وصار الذين تمنوا منزلته وغناه بالأمس القريب، بعد أن شاهدوا ما نزل به من الخسف
[ يقولون ويكأن الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر ] أى يقولون ندما وأسفا على ما صدر منهم من التمني : اعجبوا أيها القوم من صنع الله ! ! كيف أن الله يوسع الرزق لمن يشاء من عباده، لا لكرامته عليه، ويضيق الرزق على من يشاء - لحكمته وقضائه ابتلاء - لا لهوانه عليه ! ا قال الزمخشري :[ ويكأن ] كلمتان " وى " مفصولة عن " كأن " وهي كلمة تنبيه على الخطأ وتندم، ومعناه أن القوم تنبهوا على خطئهم، فى تمنيهم منزلة قارون وتندموا وقالوا :
[ لولا أن من الله علينا ] أى لولا أن الله لطف بنا، وتفضل علينا بالإيمان والرحمة، ولم يعطنا ما تمنيناه
[ لخسف بنا ] أى لكان مصيرنا مصير قارون، وخسف بنا الأرض كما خسفها به
[ ويكأنه لا يفلح الكافرون ] أى اعجبوا أيها القوم من فعل الله، حيث لا ينجح ولا يفوز بالسعادة الكافرون، لا في الدنيا، ولا في الآخرة.. وإلى هنا ننتهي " قصة قارون " وهي قصة الطغيان بالمال، بعد أن ذكر تعالى قصة الطغيان بالجاه والسلطان، في قصة فرعون وموسى، ثم يأتي التعقيب المباشر، في قوله تعالى :


الصفحة التالية
Icon