[ تلك الدار الأخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا ] الإشارة للتفخيم والتعظيم، أى تلك هي الدار العالية الرفيعة، التي سمعت خبرها، وبلغك وصفها، هي دار النعيم الخالد السرمدي، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، نجعلها للمتقين الذين لا يريدون التكبر والطغيان، ولا الظلم والعدوان في هذه الحياة الدنيا
[ والعاقبة للمتقين ] أى العاقبة المحمودة للذين يخشون الله ويراقبونه، ويبتغون رضوانه ويحذرون عقابه
[ من جاء بالحسنة فله خير منها ] أى من جاء يوم القيامة بحسنة من الحسنات، فإن الله يضاعفها له أضعافا كثيرة
[ ومن جاء بالسيئة فلا يجزى الذين عملوا السيئات إلا ما كانوا يعملون ] أى ومن جاء يوم القيامة بالسيئات، فلا يجزى إلا بعملها، وهذا من فضل الله على عباده، أنه يضاعف لهم الحسنات، ولا يضاعف لهم السيئات
[ إن الذي فرض عليك القرآن ] أى إن الذي أنزل عليك يا محمد القرآن، وفرض عليك العمل به
[ لرادك إلى معاد ] أى لرادك إلى مكة، كما أخرجك منها، وهذا وعد من الله بفتح مكة، ورجوعه عليه السلام إليها، بعد أن هاجر منها حزينا، قال ابن عباس : معناه لرادك إلى مكة، وقال الضحاك : لما خرج النبي (ص) من مكة فبلغ الجحفة اشتاق إلى مكة، فأنزل الله عليه هذه الآية
[ قل ربي أعلم من جاء بالهدى ومن هو في ضلال مبين ] أى قل يا محمد لهؤلاء المشركين : ربي أعلم بالمهتدي والضال، هل أنا أو أنتم ؟ فهو جل وعلا الذي يعلم المحسن من المسيء، ويجازي كلا بعمله، وهو جواب لقول كفار مكة : إنك يا محمد في ضلال مبين
[ وما كنت ترجوا أن يلقى إليك الكتاب إلا رحمة من ربك ] أى وما كنت تطمع أن تنال النبوة، ولا أن ينزل عليك القرآن، ولكن رحمك الله بذلك، ورحم العباد ببعثتك، قال الفراء : وهذا استثناء منقطع، والمعنى : إلا أن ربك رحمك فأنزله عليك
[ فلا تكونن ظهيرا للكافرين ] أى لا تكن عونا لهم على دينهم، ومساعدا لهم على ضلالهم، بالمداراة والمجاملة، ولكن نابذهم وخالفهم، قال المفسرون : دعا المشركون الرسول إلى دين أبائه، فأمر بالتحرز منهم وأن يصدع بالحق، والخطاب بهذا وأمثاله له (ص)، والمراد به أمته، لئلا يظاهروا الكفار ولا يوافقوهم
[ ولا يصدنك عن آيات الله بعد إذ أنزلت إليك ] أى ولا تلتفت إلى هؤلاء المشركين، ولا تركن إلى قولهم، فيصدوك عن اتباع ما أنزل الله إليك، من الآيات البينات
[ وادع إلى ربك ] أى وادع الناس إلى توحيد ربك وعبادته
[ ولا تكونن من المشركين ] أى بمسايرتهم على أهوائهم، فإن من رضي بطريقتهم كان منهم
[ ولا تدع مع الله إلها آخر ] أي لا تعبد إلها سوى الله
[ لا إله إلا هو ] أى لا معبود بحق إلا الله تعالى، قال البيضاوي : وهذا وما قبله للتهييج، وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم
[ كل شيء هالك إلا وجهه ] أى كل شيء يفنى، وتبقى ذاته المقدسة، أطلق الوجه وأراد ذات الله جل وعلا، قال ابن كثير : وهذا اخبار بأنه تعالى الدائم الباقي، الحى القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، فعبر بالوجه عن الذات كقوله :[ كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام ]
[ له الحكم وإليه ترجعون ] أى له القضاء النافذ في الخلق، وإليه مرجعهم جميعا يوم المعاد، لا إلى أحد سواه، فيجازيهم على أعمالهم، ولا يظلم ربك أحدا! !
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - التبكيت والتوبيخ [ من إله غير الله يأتيكم بضياء ] ؟ ومثله [ يأتيكم بليل ] ؟.


الصفحة التالية
Icon