عن سعد بن أبى وقاص قال :" كنت رجلا بارا بأمي فلما أسلمت، قالت : ما هذا الدين الذي أحدثت يا سعد ؟ لتدعن دينك هذا! ! ووالله لا آكل ولا أشرب حتى أموت فتعير بي فيقال : يا قاتل أمه، قلت : لا تفعلى يا أماه، فإني لا أدع دينى هذا لشيء أبدا! ! قال : فمكثت يوما وليلة لا تأكل، فأصبحت قد جهدت، ثم مكثت يوما آخر وليلة لا تأكل، فلما رأيت ذلك قلت : تعلمين والله يا أماه لو كانت لك مائة نفس، فخرجت نفسا نفسا ما تركت ديني هذا لشىء أبدا، فإن شئت فكلي، وإن شئت فدعي ! ! فلما رأت ذلك أكلت فأنزل الله هذه الآية [ ووصينا الإنسان بوالديه حسنا لأن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما... ] الآية. تفسير سورة العنكبوت
التفسير :
[ الم ] الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن
[ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون ] ؟ الهمزة للإستفهام الإنكاري، أي أظن الناس أن يتركوا من غير افتتان، لمجرد قولهم آمنا باللسان ؟ لا، ليس الأمر كما ظنوا، بل لابد من امتحانهم، ليتميز الصادق من المنافق، قال ابن جزي : نزلت في قوم من المؤمنين كانوا بمكة مستضعفين، منهم " عمار بن لاسر " وغيره، وكان كفار قريش يؤذونهم ويعذبونهم على الإسلام، فضاقت صدورهم بذلك، فآنسهم الله بهذه الآية، ووعظهم وأخبرهم أن ذلك اختبار من الله لهم، ليوطنوا أنفسهم على تحمل الصبر والأذى، والثبات على الإيمان، وأعلمهم أن تلك سيرته في عباده، يسلط الكفار على المؤمنين ليمحصهم بذلك، ويظهر الصادق في إيمانه من الكاذب
[ ولقد فتنا الذين من قبلهم ] أي ولقد اختبرنا وامتحنا من سبقهم، بأنواع من التكاليف والمصائب والمحن، قال البيضاوي : إن ذلك سنة قديمة، جارية في الأمم كلها، فلا ينبغى أن يتوقع خلافه
[ فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين ] أي فليميزن الله بين الصادقين في دعوى الإيمان، وبين الكاذبين فيه، وعبر عن الصادقين بلفظ الفعل [ الذين صدقوا ] وعن الكاذبين باسم الفاعل [ الكاذبين ] للإشارة إلى أن الكاذبين وصفهم مستمر، وأن الكذب راسخ فيهم، بخلاف الصادقين فإن الفعل يفيد التجدد، قال الإمام الفخر : إن اسم الفاعل يدل في كثير من المواضع، على ثبوت المصدر ورسوخه فيه، والفعل الماضي لا يدل عليه، كما يقال : فلان شرب الخمر، وفلان شارب الخمر، فإنه لا يفهم من صيغة الفعل الثبوت والرسوخ
[ أم حسب الذين يعملون السيئات أن يسبقونا ] أي هل يظن المجرمون، الذين يرتكبون المعاصي والموبقات، أنهم يفوتون من عقابنا ويعجزوننا ؟
[ ساء ما يحكمون ] أي بئس ما يظنون، قال الصاوي : والآية انتقال من توبيخ إلى توبيخ أشد، فالأول توبيخ للناس على ظنهم أنهم يفوتون عذاب الله ويفرون منه، والثانى : توبيخ لهم على حكمهم، مع دوامهم على كفرهم
[ من كان يرجوا لقاء الله فإن أجل الله لآت ] لما بين تعالى أن العبد لا يترك في الدنيا سدى، بين هنا أن من اعترف بالآخرة، وعمل لها لا يضيع عمله، ولا يخيب أمله، والمعنى : من كان يرجو ثواب الله، فليصبر في الدنيا على المجاهدة في طاعة الله، حتى يلقى الله فيجازيه، فإن لقاء الله قريب الإتيان، وكل ما هو آت قريب، والآية تسلية للمؤمنين ووعد لهم بالخير، في درر النعيم
[ وهو السميع العليم ] أي هو تعالى السميع لأقوال العباد، العليم بأحوالهم، الظاهرة والباطنة
[ ومن جاهد فإنما يجاهد لنفسه ] أي ومن جاهد نفسه بالصبر على الطاعات، والكف عن اللهوات، فمنفعة جهاده إنما هي لنفسه
[ إن الله لغنى عن العالمين ] أي مستغن عن العباد، لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا تضره معصية العاصين
[ والذين آمنوا وعملوا الصالحات ] أي جمعوا بين الإيمان، والعمل الصالح