[ إن فى ذلك لآيات لقوم يؤمنون ] أي إن في إنجائنا لإبراهيم من النار، لدلائل وبراهين ساطعة على قدرة الله، لقوم يصدقون بوجود الله، وكمال قدرته وجلاله
[ وقال إنما اتخذتم من دون الله أوثانا ] أي قال إبراهيم لقومه توبيخا لهم وتقريعا : إنما عبدتم هذه الأوثان والأصنام، وجعلتموها آلهة مع الله
[ مودة بينكم في الحياة الدنيا ] أى من أجل أن تدوم المحبة والألفة بينكم، فى هذه الحياة، باجتماعكم على عبادتها
[ ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ] أي ثم في الآخرة ينقلب الحال، فتصبح هذه الصداقة عداوة وبغضاء، حيث يقع التناكر، ويتبرأ القادة من الأتباع، ويلعن الأتباع القادة، لأن صداقتهم في الدنيا كانت لمصالح ومنافع، ولم تكن من أجل الله
[ وماوأكم النار وما لكم من ناصرين ] أي ومصيركم جميعا جهنم وليس لكم ناصر أو معين، يخلصكم منها
[ فآمن له لوط ] أي فآمن معه لوط وصدقه - وهو أبن أخيه وأول من آمن به - لما رأى من الآيات الباهرة
[ وقال إني مهاجر إلى ربي ] أي وقال الخليل إبراهيم : إني تارك وطني، ومهاجر من بلدي رغبة في رضى الله، قال المفسرون : هاجر من سواد العراق إلى فلسطين والشام ابتغاء إظهار الدين، والتمكن من نشره
[ إنه هو العزيز الحكيم ] أي هو العزيز الذي لا يذل من اعتمد عليه، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها
[ ووهبنا له إسحاق ويعقوب ] آي وهبنا لإبراهيم - لما فارق قومه في الله - ولدا صالحا هو " إسحق " وولد ولد وهو " يعقوب بن اسحاق "
[ وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب ] اي خصصناه بهذا الفضل العظيم، حيث جعلنا كل الأنبياء بعد إبراهيم من ذريته، وجعلنا الكتب السماوية نازلة على الأنبياء من بنيه، قال ابن كثير : وهذه خصلة سنية عظيمة، مع اتخاذ الله إياه خليلأ، وجعله إماما للناس، أن جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فلم يوجد نبى بعد إبراهيم، إلا وهو من سلالته، فجميع أنبياء بني إسرائيل من سلالة ولده " يعقوب " ولم يوجد نبي من سلالة " إسماعيل " سوى النبي العربي عليه أفضل الصلاة والتسليم
[ وآتيناه أجره في الدنيا ] أي وتركنا له الثناء الحسن في جميع الأديان، وبين جميع الأمم
[ وإنه في الآخرة لمن الصالحين ] أي وهو في الآخرة في عداد الكاملين في الصلاح، وهذا ثناء عظيم من رب العزة والجلال على أب الأنبياء إبراهيم عليه السلام.
البلاغه :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الاستفهام للتقريع والتوبيخ والإنكار [ أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا ] ؟
٢ - الطبا ق بين [ صدقوا.. والكاذبين ] وبين آمنوا.. والمنافقين ] وبين [ يعذب.. ويرحم ] وبين [ يبدىء وبعيد ].
٣ - التأكيد بأن وآللام [ فإن أجل الله لآت ] لأن المخاطب منكر.
٤ - صيغة المبالغة [ السميع العليم ] لأن " فعيل، من صيغ المبالغة.
٥ - الجناس غير التام [ يسير.. وسيروا ].
٦ - التشثبيه المرسل المجمل [ فتنة الناس كعذاب الله ] حذف منه وجه الشبه فهو مجمل
٧ - التفنن في التعبير [ ألف سنة إلا خمسين عاما ] لم يقل إلا خمسين سنة تفننا، لأن التكرار في الكلام الواحد مخالف للبلاغة، إلا إذا كان لغرض من تفخيم أو تهويل مثل [ القارعة ما القارعة ].
٨ - أسلوب الإطناب [ إنما تعبدون من دون الله أوثانا.. إن الذين تعبدون من دون الله ] لغرض التشنيع عليهم في عبادة الأوثان.
٩ - أسلوب آلإيجاز [ اقتلوه أو حرقوه ] أي حرقوه في النار ثم قال [ فأنجاه الله ] أي ففعلوا فأنجاه الله من النار، فحذف ذلك للإيجاز.
١٠ - الاستعارة اللطيفة [ وليحملن أثقالهم ] شبه الذنوب بالأثقال، لأنها تثقل كأهل الإنسان، على طريق الاستعارة التبعية.


الصفحة التالية
Icon