قال الله تعالى :[ ولوطا إذ قال لقومه إنكم لتأتون الفاحشة.. ] إلى قوله [ والله يعلم ما تصنعون ] من آية (٢٨) إلى نهاية آية (٤٥ ).
المناسبه :
لما ذكر تعالى قصة نوح ثم إبراهيم، وما فيهما من مواطن العظة والعبرة، ذكر هنا قصص الأنبياء (لوط، شعيب، هود، صالح ) على سبيل الاختصار، لبيان عاقبة الله في المكذبين.. وكل ذلك لتأكيد ما ورد في صدر السورة الكريمة، من أن الابتلاء سنة الحياة، وأنه من السنن الكونية على مر العصور والدهور.
اللغة :
[ الفاحشة ] النعلة المتناهية في القبح، قال أهل اللغة : الفاحشة : التبيح الظاهر قبحه، وكل فعل زاد في القبح والشناعة نهو فاحشة
[ ناديكم ] النادي : المجلس الذى يجتمع فيه القوم للسمر أو المشورة أو غيرهما
[ تعثوا ] العثو والعثى أشد الفساد يقال : عثي يعثى، وعثا يعثو بمعنى واحد
[ رجزا ] عذابا
[ جاثمين ] جثم : إذا قعد على ركبتيه
[ سابقين ] فائتين من عذابنا
[ أوهن ] أضعف، والوهن : الضعف.
التفسير :
[ ولوطا إذ قال لقومه ] أي واذكر رسولنا لوطا عليه السلام حين قال لقومه
[ إنكم لتأتون الفاحشة ] أي إنكم يا معشر القوم لترتكبون الفعلة القذرة، المتناهية في القبح
[ ما سبقكم بها من أحد من العالمين ] أي لم يسبقكم بهذه الشنيعة، والنعلة القبيحة - وهي اللواطة - أحد من الخلق، ثم فسر تلك الفعلة الشنيعة فقال
[ أئنكم لتأتون الرجال ] أي إنكم لتأتون الذكور في الأدبار، وذلك منتهى القذارة والخسة، قال المفسرون : لم يقدم أحد قبلهم عليها، إشمئزازا منها في طباعهم، لإفراط قبحها حتى أقدم عليها قوم لوط، ولم ينز ذكر على ذكر قبل قوم لوط
[ وتقطعون السبيل ] أى وتقطعون الطريق على المارة، بالقتل وأخذ المال، وكانوا قطاع الطريق، قال ابن كثير : كانوا يقفون في طريق الناس، يقتلونهم ويأخذون أموالهم
[ وتأتون ناديكم المنكر ] أي وتفعلون في مجلسكم ومنتداكم، ما لا يليق من أنواع المنكرات علنا وجهارا، أما كفاكم قبح فعلكم ؟ حتى ضممتم إليه قبح الإظهار ؟ قال مجاهد : كانوا يأتون الذكور أمام الملأ، يرى بعضهم بعضا، وقال ابن عباس : كانوا يحذفون بالحصى من مر بهم مع الفحش في المزاح، وحل الإزار، والصفير وغير ذلك من القبائح
[ فما كان جواب قومه ] أي فما كان رد قومه عليه حين نصحهم وذكرهم وحذرهم
[ إلا أن قالوا أئتنا بعذاب الله ] أي إلا أن قالوا على سبيل الإستهزاء : ائتنا يا لوط بالعذاب الذي تعدنا به
[ إن كنت من الصادقين ] أي إن كنت صادقا فيما تهددنا به من نزول العذاب ؟ قال الإمام الفخر : فإن قيل أن الله تعالى قال ههنا
[ إلا أن قالوا ائتنا ] وقال في موضع آخر
[ إلا أن قالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم ] فكيف وجه الجمع بينهما ؟ فنقول : إن لوطا كان ثابتا على الإرشاد، مكررا عليهم النهي والوعيد، فقالوا أولا : ائتنا بعذاب الله، ثم لما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم، قالوا : اخرجوا آل لوط.. ثم إن لوطا لما يئس منهم طلب النصرة من الله
[ قال ربى إنصرني على القوم المفسدين ] أي قال لوط : ربى أهلكهم وانصرني عليهم، فإنهم سفهاء مفسدون، لا يرجى منهم خير ولا صلاح، وقد أغرقوا في الغى والفساد، واعلم أن نبيا من الأنبياء، ما طلب هلاك قوم، إلا إذا علم أن عدمهم خير من وجودهم، كما قال نوح
[ إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ] فكذلك لوط لما رأى إنهم يفسدون في الحال، ولا يرجى منهم صلاح في المال، طلب لهم من الله العذاب
[ ولما جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى ] المراد بالرسل هنا " الملائكة " والبشرى هى تبشير إبراهيم بالولد، أي لما جاءت الملائكة تبشر إبراهيم، بغلام حليم
[ قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية ] أي جئنا لنهلك قرية قوم لوط