[ الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون ] هذا بيان للعاملين، أي هم الذين صبروا على تحمل المشاق، من الهجرة والأذى في سبيل الله، وعلى ربهم يعتمدون في جميع أمورهم، قال في البحر : وهذان جماع الخير كله : الصبر، وتفويض الأمر إليه تعالى
[ وكأين من دابة لا تحمل رزقها ] أي كم من دابة ضعيفة، لا تقدر على كسب رزقها، ولكن الله يرزقها مع ضعفها
[ الله يرزقها وإياكم ] أي الله تعالى يرزقها كما يرزقكم، وقد تكفل برزق جميع الخلق، فلا تخافوا الفقر إن هاجرتم، فالرازق هو الله، قال في التسهيل : والقصد بالآية التقوية لقلوب المؤمنين، إذا خافوا الفقر والجوع فى الهجرة من أوطانهم، فكما يرزق الله الحيوانات الضعيفة كذلك يرزقكم إذا هاجرتم من بلدكم
[ وهو السميع العليم ] أي هو السميع لأقوالكم، العليم بأحوالكم.. ثم عاد الحديث إلى توبيخ المشركين فى عبادة غير الله فقال سبحانه
[ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض وسخر الشمس والقمر ليقولن الله ] أي ولئن سألت المشركين، من خلق العالم العلوي والسفلي، وما فيهما من العجائب والغرائب ؟ ومن ذلل الشمس والقمر وسخرهما لمصالح العباد ؟ يجريان بنظام دقيق ؟ ليقولون : الله خالق ذلك
[ فأنى يؤفكون ] أي فكيف يصرفون عن توحيده، بعد إقرارهم بذلك ؟
[ الله يبسط الرزق لمن يشاء من عباده ويقدر له ] أي هو جل وعلا الخالق وهو الرازق، يوسع الرزق لمن يشاء من عباده امتحانا، ويضيق الرزق على من يشاء ابتلاء، ليظهر الشاكر والصابر
[ إن الله بكل شيء عليم ] أي إنه تعالى واسع العلم يفعل ما تقتضيه الحكمة والمصلحة
[ ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الأرض من بعد موتها ليقولن الله ] توبيخ آخر، وإقامة حجة أخرى عليهم، أي ولئن سألت المشركين من الذي أنزل المطر من السماء، فأخرج به أنواع الزروع والثمار، بعد جدب الأرض ويبسها ؟ ليقولون : الله فاعل ذلك
[ قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعقلون ] أي قل يا محمد : حمدا لله على ظهور الحجة، بل أكثرهم لا يعقلون ! ! حيث يقرون بأن الله هو الخالق الرازق ثم يعبدون غيره ا !
[ وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب ] أي وما الحياة في هذه الدنيا إلا غرور، ينقضي سريعا ويزول، كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون
[ وأن الدار الأخرة لهي الحيوان ] أي وأن الآخرة لهى دار الحياة الحقيقية، التي لا موت فيها ولا تنغيص
[ لو كانوا يعلمون ] أي لو كان عندهم علم، لم يؤثروا دار الفناء على دار البقاء، لأن الدنيا حقيرة، لا تزن عند الله جناح بعوضة)، ولقد أحسن من قال : تأمل في الوجود بعين فكر ترى الدنيا الدنية كالخيال ومن فيها جميعا سوف يفنى ويبقى وجه ربك ذو الجلال
[ فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ] إقامة حجة ثالثة على المشركين، في دعائهم الله عند الشدائد، ثم يشركون به في حال الرخاء، والمعنى : إذا ركبوا في السفن، وخافوا الغرق، دعوا الله مخلصين له الدعاء، لعلمهم أنه لا يكشف الشدائد عنهم إلأ الله، وفي لفظ [ مخلصين ] ضرب من التهكم
[ فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ] أي فلما خلصهم من أهوال البحر، ونخجهم إلى جانب البر، إذا هم يعودون إلى كفرهم وإشراكهم، ناسين ربهم الذي أنقذهم من الشدائد والأهوال
[ ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون ] أمر على وجه التهديد، أي فليكفروا بما أعطيناهم من نعمة الإنجاء من البحر، وليتمتعوا في هذه الحياة الدنيا بباقي أعمارهم، فسوف يعلمون عاقبة أمرهم