قال ابن عباس : لما بعث الله تعالى محمدا(ص) أنكرت الكفار وقالوا : الله اعظم من ان يكون رسوله بشرا، اما وجد الله من يرسله إلا يتيم أبى طالب ؟ فأنزل الله [ أكان للناس عجبا أن أوحينا الى رجل منهم أن أنذر الناس.. ] الآية.
التفسير :
[ الر ] اشارة الى ان هذا الكلام البليغ المعجز، مكون من جنس الاحرف التي يتكون منها كلامكم، فمن هذه الحروف وامثالها تتألف آيات الكتاب الحكيم، وهي في متناول أيديهم، ثم يعجزون عن الاتيان بمثل آية واحدة منه
[ تلك آيات الكتاب الحكيم ] أى هذه آيات القران المحكم المبين الذي لا يدخله شك، ولا يعتريه كذب ولا تناقض
[ أكان للناس عجبا أن أوحينا الى رجل منهم ] اي أكان عجبا لأهل مكة ايحاؤنا الى رجل منهم هو " محمد " عليه الصلاة والسلام ؟ والهمزة للانكار اي لا عجب في ذلك فهي عادة الله في الامم السالفة، أوحى الى رسلهم ليبلغوهم رسالة الله
[ أن أنذر الناس ] أى أوحينا اليه بأن خوف الكفار عذاب النار
[ وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ] اي وان بشر المؤمنين بأن لهم سابقة ومنزلة رفيعة عند ربهم بما قدموا من صالح الاعمال
[ قال الكافرون ان هذا لساحر مبين ] أى ومع وضوح صدق الرسول (ص) واعجاز القرآن، قال المشركون : ان محمدا لساحر ظاهر السحر، مبطل فيما يدعيه، قال البيضاوى : وفيه اعتراف بأنهم صادفوا من الرسول (ص) امورا خارقة للعادة، معجزة إياهم عن المعارضة، وهو اعتراف من حيث لا يشعرون، بأن ما جاء به خارج عن طوق البشر
[ إن ربكم الله الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ] أى ان ربكم ومالك امركم الذي ينبغى ان تفردوه بالعبادة، هو الذي خلق الكائنات في مقدار ستة ايام من ايام الدنيا، ولو شاء لخلقهن قي لمحة بصر، ولكنه اراد تعليم العباد التأني والتثبت في الأمور
[ ثم استوى على العرش ] استواء يليق بجلاله من غير تكييف، ولا تشبيه، ولا تعطيل، قال ابن كثير : نسلك في هذا المقام مذهب السلف الصالح، وهو امرارها كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل، والمتبادر الى اذهان المشبهين منفى عن الله، فإن الله لا يشبهه شيء من خلقه، فمن أثبت لله تعالى ما وردت به الآيات الصريحة، والاخبار الصحيحة، على الوجه الذي يليق بجلال الله، فقد سلك سبيل الهدى وقال ابو السعود : العرش هو الجسم المحيط بسائر الاجسام، سمي به لارتفاعه، او للتشبيه بسرير الملك، والاستواء على العرش صفة له سبحانه بلا كيف
[ يدبر الأمر ] أى يدبر امر الخلائق على ما تقتضيه الحكمة والمصلحة، قال ابن عباس : لا يشغله في تدبير خلقه شىء
[ ما من شفيع إلا من بعد إذنه ] أى لا يشفع عنده شافع يوم القيامة، الا بعد ان يأذن له في الشفاعة، وفي هذا رد على المشركين في زعمهم ان الاصنام تشفع لهم
[ ذلكم الله ربكم فاعبدوه ] أى ذلكم العظيم الشأن هو ربكم وخالقكم لا رب سواه، فوحدوه بالعبادة
[ أفلا تذكرون ] أى أفلا تتعظون وتعتبرون. ؟ تعلمون انه المتفرد بالخلق ثم تعبدون معه غيره
[ إليه مرجعكم جميعا ] أى الى ربكم مرجعكم أيها الناس يوم القيامة جميعا
[ وعد الله حقا ] أى وعدا من الله لا يتبدل، وفيه رد على منكري البعث حيث قالوا [ ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر ]
[ إنه يبدؤا الخلق ثم يعيده ] أى كما ابتدأ الخلق كذلك يعيده
[ ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط ] أى ليجزي المؤمنين بالعدل، ويوفيهم اجورهم بالجزاء الاوفى
[ والذين كفروا ] اي والذين جحدوا بالله وكذبوا رسله
[ لهم شراب من حميم ] أى لهم في جهنم شراب من حميم، بالغ النهاية في الحرارة


الصفحة التالية
Icon