سورة يوسف
مكية وأياتها إحدى عشرة ومائة
بين يدي السورة
* سورة يوسف إحدى السور المكية التي تناولت قصص الأنبياء، وقد أفردت الحديث عن قصة نبي الله (يوسف بن يعقوب ) وما لاقاه عليه السلام من أنواع البلاء، ومن ضروب المحن والشدائد، من إخوته ومن الآخرين، في بيت عزيز مصر، وفي السجن، وفي تآمر النسوة، حتى نجَاه الله من ذلك الضيق، والمقصودُ بها تسلية النبي، بما مر عليه من الكرب والشدة، وما لاقاه من أذى القريب والبعيد.
* والسورة الكريمة أسلوبَ فذ فريد، في ألفاظها، وتعبيرها، وأدائها، وفي قَصَصها الممتع اللطيف، تسري مع النفس سريان الدم في العروق، وتجري - برقتها وسلاستها - في القلب جريان الروح في الجسد، فهي وإن كانت من السور المكية، التي تحمل - في الغالب - طابع الإنذار والتهديد، إلا أنها اختلفت عنها في هذا الميدان، فجاءت طرية نَدِية، في أسلوب ممتع لطيف، سَلِس رقيق، يحمل جو الأنس والرحمة، والرأفة والحنان، ولهذا قال خالدُ بن مَعْدان :(سورة يوسف ومريم مما يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة) وقال عطاء :(لا يسمع سورة يوسف محزونٌ إلا استراح إليها).
* نزلت السورة الكريمة على رسول الله (ص) بعد سورة " هود "، في تلك الفترة الحرجة العصيبة من حياة الرسول الأعظم(ص)، حيث توالت الشدائد والنكبات عليه وعلى المؤمنين، وبالأخص بعد أن فقد عليه السلام نصيريه : زوجه الطاهر الحنون " خديجة " وعمه " أبا طالب " الذي كان له خير نصير، وخير معين، وبوفاتهما إشتد الأذى والبلاء على رسول الله(ص)، وعلى المؤمنين، حتى عُرف ذلك العام ب (عام الحُزْن ).
* في تلك الفترة العصيبة من حياة الرسول الكريم، وفي ذلك الوقت الذي كان يعاني فيه الرسول والمومنون، الوحشة، والغربة، والانقطاع في جاهلية قريش، كان الله سبحانه ينزل على نبيه الكريم هذه السورة تسلية له، وتخفيفا لاَلامه، بذكر قصص المرسلين، وكأن الله تعالى يقول لنبيه عليه السلام : لا تحزن يا محمد ولا تتفجع لتكذيب قومك، وإيذائهم لك، فإن بعد الشدة فَرَجاً، وإن بعد الضيق مخرجا، أنظر إلى أخيك (يوسف ) وتمعن بما حدث له من صنوف البلايا والمِحَن، وألوان الشدائد والنكبات، وما ناله من ضروب المِحَن : محنة حَسد إخوته وكيدهم له، ومحنة رميه في الجب، ومحنة تعلق إمرأة العزيز به، وعشقها له، ثم مراودته عن نفسه، بشتى طرق الفتنة والإِغراء، ثم محنة السجن، بعد ذلك العز ورغد العيش ! ! أنظر إليه كيف أنه لما صبر على الأذى في سبيل العقيدة، وصبر على الضر والبلاء، نقله الله من السجن إلى القصر، وجعله عزيزاً في أرض مصر، وملكه الله خزائنها، فكان السيد المطاع، والعزيز المكرم.. وهكذا أفعل بأوليائي، ومن صبر على بلائي، فلا بد أن توطد النفس على تحمل البلاء، إقتداءً بمن سبقك من المرسلين [ فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ] [ واصبر وما صبرك إلا بالله، ولا تحزن عليهم ولا تك في ضيق مما يمكرون ].
* وهكذا جاءت قصة يوسف الصديق تسلية لرسول الله (ص) عما يلقاه، وجاءت تحمل البِشرَ والأنس، والراحة، والطمأنينة، لمن سار على درب الأنبياء، فلا بد من الفرج بعد الضيق، ومن اليسر بعد العُسر، وفي السورة دروس وعبر، وعظات بالغات، حافلات بروائع الأخبار العجيبة، والأنباء الغريبة [ لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ].


الصفحة التالية
Icon