[ لولا أن رأى برهان ربه ] جوابه محذوف أي لولا حفظ الله ورعايتُه ليوسف، وعصمتُه له، لخالطها وأمضي ما حدثته نفسه به، ولكن الله عصمه بالحفظ والتأييد فلم يحصل منه شئ البتة، قال في البحر : نسب بعضُهم ليوسف ما لا يجوز نسبه لآحاد الفُساق، والذي أختاره أن " يوسف " عليه السلام لم يقع منه هم البتة، بل هو منفي لوجود رؤية البرهان كما تقول :(قارفتَ الذنبَ لولا أن عصمك الله ) وكقول العرب :(أنتَ ظالم إن فعلتَ ) وتقديره : إن فعلتَ فأنتَ ظالم، وكذلك هنا التقدير : لولا أن رأى برهان ربه لهم بها ولكنه وجد رؤية البرهان فانتفى الهم، وأما أقوال السلف فنعتقد أنه لا يصح عن أحد منهم شي : من ذلك، لأنها أقوال متكاذبة يناقض بعضُها بعضا، مع كونها قادحة في بعض فُساق الملل، فضلا عن المقطوع لهم بالعصمة وقال أبو السعود : إن همه بها بمعنى ميله إليها بمقتضى الطبيعة البشرية، ميلا جبليا، لا أنه قصدها قصدا اختياريا، ألا يرى إلى ما سبق من استعصامه المنبىء عن كمال كراهيته له ونفرته عنه، وحكمه بعدم إفلاح الظالمين، وهل هو إلا تسجيل باستحالة صدور الهم منه تسجيلا محكما ؟ وما قيل : إنه حل الهميان، وجلس مجلس الختان، فإنما هي خرافات وأباطيل، تمجها ا لآذان، وتردها العقول والأذهان
[ كذلك لنصرف عنه السوء ] أي ثبتناه على العفة أمام دوافع الفتنة والإغراءِ لنصرف عنه المنكر والفجور، وهذه آية بينة، وحجة قاطعة، على أنه عليه السلام لم يقع منه هم بالمعصية، ولو كان كما زعموا لقال (لنصرفه عن السوء والفحشاء) فلما قال [ لنصرف عنه ] دل على أن ذلك شىء خارج عن الإِرادة، فصرفه الله عنه، بما منحه من موجبات العفة والعصمة
[ والفحشاءَ ] أي لنصرف عنه الزنى الذي تناهى قبحهُ
[ إنه من عبادنا المخلَصين ] بفتح اللام أي الذين أخلصهم الله لطاعته، واصطفاهم وإختارهم لوحيه ورسالته، فلا يستطيع أن يغويهم الشيطان.. ثم أخبر تعالى بما حصل من المفاجأة العجيبة، بقدوم زوجها وهما يتسابقان نحو الباب، ولا تزال هي في هياجها الحيواني
[ واستبقا الباب ] أي تسابقا نحو باب القصر، هو للهرب، وهي للطلب
[ وقدت قميصه من دُبُر ] أي شقت ثوبه من خلف، لأنها كانت تلحقه فجذبته فشقت قميصه
[ وألفيا سيدها لدا الباب ] أي وجدا العزيز عند باب القصر فجأة، وقد حضر في غير أوان حضوره، وبمهارة فائقة تشبة مهارة إبليس انقلب الوضعُ فأصبح الظالم مظلوما، والبريء متهما
[ قالت ما جزاءُ من أراد بأهلك سوءا إلا أن يسجن أو عذابٌ أليم ] أي ما جزاؤه إلا السجن أو الضرب ضربا مؤلما وجيعا
[ قال هي راودتني عن نفسي ] أي قال يوسف مكذبا لها : هي التي دعتني إلى مقارفة الفاحشة، لا أني أردت بها السوء
[ وشهد شاهد من أهلها ] قال ابن عباس : كان طفلا في المهد أنطقه الله، وكان ابن خالها وقال في البحر : وكونُه من أهلها أوجبُ للحجة عليها، وأوثقُ لبرآءة يوسف، وأنفى للتهمة
[ إن كان قميصهُ قد من قُبلُ فصدقت وهو من الكاذبين ] أي وإن كان ثوبُه قد شُق من أمام فهي صادقة وهو كاذب
[ وإن كان قميصُه قُد من دُبُر فكذبت وهو من الصادقين ] أي وإن كان ثوبه قد شُق من الوراء، فهي كاذبة وهو صادق، لأن الأمر المنطقي أن يُشق الثوب من خلف، إن كانت هي الطالبة له وهو الهارب
[ فلما رأى قميصه قُد من دُبُر ] أي فلما رأى زوجها أن الثوب قد شُق من الوراء
[ قال إنه من كيدكن ] أي إن هذا الأمر من جملة مكركن وإحتيالكن أيتها النسوة
[ إن كيدكن عظيم ] تأكيد لما سبق ذكره، أي مكركن معشر النسوة، وإحتيالكن للتخلص مما دبرتُن شيءَ عظيم


الصفحة التالية
Icon