[ قالت فذلكن الذي لمتنني فيه ] صرحت عند ذلك بما في نفسها من الحُب ليوسف لأنها شعرت بأنها انتصرت عليهن، فقالت قولة المنتصرة : هذا الذي رأيتموه هو ذلك العبد الكنعاني الذي لمتُنني في محبته، فانظرن ماذا لقيتن منه، من الافتتان والدْهَش والإعجاب ! !
[ ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ] أي أردت أن أنال وطري منه، وأن أقضي شهوتي معه، فامتنع امتناعا شديدا، وأبى إباء عنيفاً قال الزمخشري : والاستعصام بناء مبالغة يدل على الامتناع البليغ والتحفظ الشديد
[ ولئن لم يفعل ما آمره ليسجننً وليكونا من الصاغرين ] أي ولئن لم يطاوعنى ليعاقبن بالسجن والحبس وليكونن من الأذلاء المهانين قال القرطبي : عاودته المراودة بمحضر منهن، وهتكت جلباب الحياء، وتوعدت بالسجن إن لم يفعل، ولم تعد تخشى لوماَ ولا مقالا، خلاف أول أمرها إذ كان ذلك سراَ بينها وبينه
[ قال رب السجنُ أحب إلي مما يدعونني إليه ] لجأ يوسف إلى ربه، وجعل يناجيه في خشوع وتضرع، فقال : رب السجن آثر عندي وأحب إلى نفسي من اقتراف الفاحشة، وأسند الفعل إليهن لأنهن جميعا مشتركات في الدعوة بالتصريح أو التلويح، وقيل إنها لما توعدته نصحنه وزين له مطاوعتها، ونهينه عن إلقاء نفسه في السجن
[ وإلا تصرف عني كيدهُن ] أي وإن لم تدفع عني شرهن وتعصمني منهن
[ أصبُ إليهن ] أي أمل إلى إجابتهن بمقتضى البشرية
[ وأكن من الجاهلين ] أي بسبب ما يدعونني إليه من القبيح، وهذا كله على سبيل التضرع والاستغاثة بجناب الله تعالى، كعادة الأنبياء والصالحين
[ فاستجاب له ربه فصرف عنه كيدهن ] أي أجاب الله دعاءه، فنجاه من مكرهن، وثبته على العصمة والعفة
[ إنه هو السميع ] أي لدعاء الملتجئين إليه
[ العليم ] بأحوالهم وما انطوت عليه نياتهم.. وهكذا اجتاز يوسف محنته الثالثة بلطف الله ورعايته
[ ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه حتى حين ] هذه بداية المحنة الرابعة وهي الأخيرة من محن الشدة قي حياة يوسف الصديق، وهي (محنة السجن ) وكل ما بعدها فرخاء، والمعنى : ثم ظهر للعزيز وأهله، ومن استشارهم من الأعيان، بعد الدلائل القاطعة على براءة يوسف، سجنه إلى مدة من الزمن غير معلومة، روي أن إمرأة العزيز لما استعصي عليها يوسف وأيست منه، احتالت بطريق آخر، فقالت لزوجها : إن هذا (العبد العبراني ) قد فضحنى في الناس يقول لهم : إني راودته عن نفسه وأنا لا أقدر على إظهار عذري، فإما أن تأذن لي فأخرج وأعتذر، وإما أن تحبسه، فعند ذلك بدا له سجنه، قال ابن عباس : فأمر به العزيزُ فحمل على حمار، وضُرب بالطبل، ونُودي عليه في أسواق مصر، إن يوسف العبراني أراد سيدته بالسوء، فجزاؤه أن يسجن، قال أبو صالح : ما ذكر ابن عباس هذا الحديث إلا بكى
[ ودخل معه السجن فتيان ] أي أدخل يوسف السجن واتفق أنه أدخل حينئذ آخران من خدم الملك الخاص أحدهما خبازه، والآخر ساقيه، اتهما بأنهما أرادا أن يَسُماه فحبسهما
[ قال أحدهما إني أراني أعصر خمرا ] أي قال الساقى : إنى رأيت في المنام أني أعصر عنبا يئول إلى خمر وأسقي منه الملك
[ وقال الآخر إني أراني أحمل فوق رأسي خبزا تأكل الطير منه ] أي وقال الخباز : إني رأيت في منامي أني أحمل على رأسى طبقا فيه خبز، والطيرُ تأكل من ذلك الخبز
[ نبئنا بتأويله إنا نراك من المحسنين ] أي أخبرنا بتفسير ما رأينا، إنا نراك من الذين يحسنون تفسير الرؤيا، أخبراه عن رؤياهما لما علما أنه يجيد تفسير الرؤيا


الصفحة التالية
Icon