[ قال لا يأتيكما طعام ترزقانه إلا نبأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ] أي لا يأتيكما شيء من الطعام الا أخبرتكما ببيان حقيقته، وماهيته وكيفيته قبل أن يصل إليكما، أخبرهما بمعجزاته ومنها معرفة (المغيبات ) توطئة لدعائهما إلى الإيمان قال البيضاوي : أراد أن يدعوهما إلى التوحيد ويرشدهما إلى الدين القويم قبل أن يسعفهما إلى ما سألاه عنه، كما هو طريقة الأنبياء في الهداية والإرشاد، فقدم ما يكون معجزة له من الإخبار بالغيب ليدلهما على صدقه في الدعوة والتعبير
[ ذلكما مما علمني ربي ] إن ذلك الإخبار بالمغيبات ليس بكهانة ولا تنجيم، وإنما هو بإلهام ووحي من الله
[ إني تركتُ ملة قوم لا يؤمنون بالله ] أي خصني ربي بذلك العلم لأني من بيت النبوة، وقد تركت دين قوم مشركين لا يؤمنون بالله
[ وهم بالأخرة هم كافرون ] أي يكذبون بيوم القيامة، نبه على أصلين عظيمين : الإيمان بالله، والإيمان بدار الجزاء، إذ هما أعظم أركان الإيمان، وكرر لفظة [ هم ] على سبيل التأكيد
[ واتبعتُ ملة آبائي إبراهيمَ وإسحاقَ ويعقوبَ ] أي اتبعت دين الأنبياء، لا دين أهل الشرك والضلال، والغرضُ إظهار أنه من (بيت النبوة)، لتقوى رغبتهما في الإستماع اليه والوثوق بكلامه
[ ما كان لنا أن نشرك بالله من شئ ] أي ما ينبغي لنا معاشر الأنبياء أن نشرك بالله شيئا مع اصطفائه لنا وإنعامه علينا
[ ذلك من فضل الله علينا وعلى الناس ] أي ذلك الإيمان والتوحيد من فضل الله علينا حيث أكرمنا بالرسالة، وعلى الناس حيث بَعَث الرسلَ لهدايتهم وإرشادهم
[ ولكن أكثر الناس لا يشكرون ] أي لا يشكرون فضل الله عليهم، فيشركون به غيره.. ولما ذكر عليه السلام ما هو عليه من الدين الحنيف الذي هو دين الرسل، تلطفَ في حسن الاستدلال على فساد ما عليه القوم من عبادة الأصنام فقال سبحانه
[ يا صاحبي السجنِ أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ] أي يا صاحبي في السجن أآلهة متعددة لا تنفع ولا تضر، ولا تستجيب لمن دعاها كالأصنام، خير أم عبادة الواحد الأحد ؟ المتفرد بالعظمة والجلال ؟ !
[ ما تعبدونَ من دونه إلا أسماءً سميتموها أنتم وآباؤكم ] أي ما تعبدون يا معشر القوم من دون الله إلأ أسماء فارغة سميتموها آلهة وهي لا تملك القدرة والسلطان لأنها جمادات
[ ما أنزل الله بها من سلطان ] أي ما أنزل الله لكم في عبادتها من حجة أو برهان
[ إنِ الحكمُ إلا لله ] أي ما الحكم في أمر العبادة والدين إلا لله رب العالمين
[ أمر ألا تعبدوا إلا إياه ] أي أمر سبحانه بإفراد العبادة له، لأنه لا يستحقها إلا من له العظمة والسلطانُ
[ ذلك الدين القيم ] أي ذلك الذي أدعوكم إليه من إخلاص العبادة لله هو الدين القويم الذي لا إعوجاج فيه
[ ولكن أكثر الناس لا يعلمون ] أي يجهلون عظمة الله فيعبدون ما لا يضر ولا ينفع.. تدرج عليه السلام في دعوتهم وألزمهم الحجة بأن بين لهم أولاً رجحان التوحيد، على إتخاذ الآلهة المتعددة، ثم برهن على أن ما يسمونها آلهة ويعبدونها من دون الله، لا تستحق الألوهية والعبادة، ثم نص على ما هو الحق القويم والدين المستقيم، وهو عبادة الواحد الأحد الفرد الصمد، وذلك من الأسلوب الحكيم في الدعوة إلى الله، حيث قدم الهداية والإرشاد، والنصيحة والموعظة، ثم شرع في تفسير رؤياهما فقال سبحانه


الصفحة التالية
Icon