[ أنا أنبئكم بتأويله ] أي أنا أخبركم عن تفسير هذه الرؤيا ممن عنده علم بتأويل المنامات
[ فأرسلون ] أي فأرسلوني إليه لآتيكم بتأويلها، خاطب الملك بلفظ التعظيم قال ابن عباس : لم يكن السجن في المدينة، ولهذا قال فأرسلون
[ يوسفُ أيها الصديق ] في الكلام محذوف دل عليه السياق وتقديره : فأرسلوه فانطلق الساقي إلى السجن ودخل على يوسف وقال له : يا يوسف يا أيها الصديق وسماه (صديقاً) لأنه كان قد جرب صدقه في تعبير الرؤيا التي رآها في السجن، والصديق مبالغة من الصدق
[ أفتنا في سبع بقرات سمانٍ يأكلهن سبع عجاف وسبع سنبلات خضر وأُخر يابسات ] أي أخبرنا عن تأويل هذه الرؤيا العجيبة
[ لعلي أرجع إلى الناس لعلهم يعلمون ] أي لأرجع إلى الملك وأصحابه وأخبرهم بها ليعلموا فضلك وعلمك ويخلصوك من محنتك قال الإمام الفخر : وإنما قال [ لعلي أرجع إلى الناس ] لأنه رأى عجز سائر المعبرين عن جواب هذه المسألة، فخاف أن يعجز هو أيضاً عنها فلهذا السبب قال لعلّى(٣)
[ قال تزرعون سبع سنين دَأَباً ] أي تزرعون سبع سنين دائبين بجد وعزيمة
[ فما حصدتم فذروه في سنبله ] أي فما حصدتم من الزرع فاتركوه في سنبله لئلا يسوس
[ الا قليلاً مما تأكلون ] أي إلا ما أردتم أكله فادرسوه واتركوا الباقي في سنبله
[ ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد ] أي ثم يأتي بعد سني الرخاء سبع سنين مجدبات، ذات شدة وقحط على الناس
[ يأكلنَ ما قدمتم لهن ] أي تأكلون فيها مما ادخرتم أيام الرخاء
[ إلا قليلا مما تحصنون ] أي إلا القليل الذي تدخرونه وتخبئونه للزراعة
[ ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون ] أي ثم يأتي بعد سني القحط والجدب العصيبة عام رخاء، فيه يُمطر الناس ويغاثون، وفيه يعصرون الأعناب وغيرها لكثرة خصبه، قال الزمخشري : تأول عليه السلام البقرات السمان والسنبلات الخضر (بسنين مخاصيب ) والعجاف واليابسات (بسنين مجدبة)، ثم بشرهم بأن العام الثامن يجىء مباركا خصيبا، كثير الخير، غزير النعم، وذلك من جهة الوحي
[ وقال الملك ائتوني به ] أي ولما رجع الساقي إلى الملك، وعَرَض عليه ما عبر به يوسف رؤياه استحسن ذلك فقال : أحضروه لي لأسمع منه تفسيرها بنفسي ولأبصره
[ فلما جاءه الرسول ] أي فلما جاء رسول الملك الى يوسف
[ قال ارجع إلى ربك ] أي قال يوسف للرسول : إرجع إلى سيدك الملك
[ فاسأله ما بال النسوة اللاتي قطعن أيديهن ] أي سله عن قصة النسوة اللائي قطعن أيديهن هل يعلم أمرهن ؟ وهل يدري لماذا حُبستُ ودخلت السجن ؟ وأني ظُلمت بسببهن ؟ أبى عليه السلام أن يخرج من السجن حتى تُبرأ ساحته من تلك التهمة الشنيعة، وأن يعلم الناس جميعا أنه حبس بلا جرم
[ إن ربي بكيدهن عليم ] أي إنه تعالى هو العالم بخفيات الأمور وبما دبرن من كيد لي
[ قال ما خطبكن إذ راوتن يوسف عن نفسه ] جمع الملك النسوة، ودعا امرأة العزيز معهن، فسألهن عن أمر يوسف، وقال لهن : ما شأنكن الخطير حين دعوتن يوسف إلى مقارفة الفاحشة ؟ (( يقول الشهيد سيد قطب عليه الرحمة : رجع الرسول فأخبر الملك، وأحضر الملك النسوة يستجوبهن، والخطب : الأمر الجلل، فكأن الملك استقصى فعلم أمرهن، فهو يواجههن مقررا الاتهام، ومشيرا إلى أمر لهن جلل وشأن لهن خطير ﴿ما خطبكن اذ راودتن يوسف عن نفسه ﴾ ؟ ومن هذا نعلم شيئا مما دار فى حفل الاستقبال في بيت العزيز، وما قالته النسوة ليوسف وما أشرن إليه من الإغراء الذي يبلغ درجة المراودة، ومن هذا نتخيل صورة لهذه الأوساط ونسائها حتى في ذلك العهد الموغل في التاريخ، فالجاهلية دائما هي الجاهلية، إنه حيثما كان الترف، وكانت القصور والحاشية، كان التحلل والتميع، والفجور الناعم الذي يرتدي ثياب الأرستقراطي !!))