[ أفلا تعقلون ] أى افلا تستعملون عقولكم بالتدبر والتفكر، لتعلموا ان مثل هذا الكتاب المعجز، ليس الا من عند الله ؟ قال الامام الفخر : ان الكفار شاهدوا رسول الله، من اول عمره الى ذلك الوقت، وكانوا عالمين بأحواله، وانه ما طالع كتابا، ولا تتلمذ لاستاذ، ولا تعلم من احد، ثم بعد انقراض اربعين سنة، جاءهم بهذا الكتاب العظيم، المشتمل على نفائس علم الاصول، ودقائق علم الاحكام، ولطائف علم الاخلاق، واسرار قصص الاولين، وعجز عن معارضته العلماء، والفصحاء، والبلغاء، وكل من له عقل سليم، يعلم ان مثل هذا لا يكون الا على سبيل الوحي والتنزيل
[ فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ] استفهام انكاري بمعنى النفي، أى لا احد اظلم ممن اختلق على الله الكذب ! ! والمقصود منه نفي الكذب عن مقامه الشريف (ص) حيث زعم المشركون ان هذا القرآن من صنع محمد
[ أو كذب بآياته ] أى كتب بالحق الذي جاءت به الرسل
[ إنه لا يفلح المجرمون ] اي لا يفوز بالسعادة من ارتكب الاجرام، وكذب الرسل الكرام
[ ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ] بيان لقبائح المشركين أى ويعبدون الاوثان التي هي جمادات، لا تقدر على جلب نفع، او دفع ضر
[ ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله ] أى يزعمون ان الاصنام تشفع لهم، مع انها حجارة لا تبصر ولا تسمع
[ قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السموات ولا في الأرض ] ؟ أى قل يا محمد لهؤلاء المشركين : أتخبرون الله تعالى بشريك او شفيع، كائن في السموات او الارض، لا يعلمه جل وعلا ؟ وهو علام الغيوب الذي احاط علمه بجميع الكائنات ؟ والاستفهام للتهكم والهزء بهم
[ سبحانه وتعالى عما يشركون ] أى تنزه الله وتقدس عما يقول الظالمون، وينسبه اليه المشركون
[ وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ] أى وما كان الناس الا على دين واحد، هو (الاسلام ) من لدن آدم الى نوح، فاختلفوا في دينهم وتفرقوا شيعا واحزابا، قال ابن عباس : كان بين ادم ونوح عشرة قرون كلهم على الاسلام، ثم وقع الاختلاف بين الناس وعبدت الاوثان والاصنام، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين
[ ولولا كلمة سبقت من ربك ] أى ولولا قضاء الله بتأخير الجزاء الى يوم القيامة
[ لقضي بينهم فيما كانوا فيه يختلفون ] اي لعجل عقابهم في الدنيا باختلافهم في الدين
[ ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه ] أى ويقول هؤلاء الكفرة المعاندون : هلا انزل على محمد معجزة من ربه كما كان للانبياء ؟ من الناقة، والعصا، واليد ؟
[ فقل إنما الغيب لله ] أى قل لهم امر الغيب لله وحده، ولا يأتي بالآيات الا هو، وانما انا مبلغ
[ فانتظروا إني معكم من المنتظرين ] أى فانتظروا قضاء الله بيننا فانا ممن ينتظر ذلك، وهو وعيد وتهديد.
البلاغة :
١ - [ الكتاب الحكيم ] فعيل بمعنى مفعول أى المحكم الذي لا يتطرق اليه الفساد ولا يعتريه الكذب والتناقض.
٢ - [ أنذر.. وبشر ] بينهما طباق.
٣ - [ قدم صدق ] كناية عن المنزلة الرفيعة، والعبارة غاية في البلاغة، لان بالقدم يكون السبق والتقدم، كما سميت النعمة يدا لانها تعطى بها.
٤ - [ يبدؤا الخلق ثم يعيده ] بين كلمتي (البدء) و(الاعادة) طباق.
٥ - [ لا يرجون لقاءنا ] فيه التفات مع الاضافة الى ضمير الجلالة لتعظيم الامر وتهويله.
٦ - [ الشر استعجالهم بالخير ] أى كاستعجالهم او مثل استعجالهم بالخير ففيه تشبيه مؤكد مجمل، وبين الشر والخير طباق.
٧ - [ لننظر كيف تعملون ] في الكلام (استعارة تمثيلية) حيث شبه حال العباد مع ربهم، بحال رعية مع سلطانها في امهالهم للنظر في اعمالهم، واستعير الاسم الدال على المشبه به للمشبه على سبيل التمثيل والتقريب، ولله المثل الاعلى.


الصفحة التالية
Icon