لما ذكر تعالى في الآيات السابقة أن في الأرض دعوتين : دعوة الحق، ودعوة الباطل، وذكر أن دعوة الله هي (دعوة الحق )، ودعوة ما يعبدون من دونه هي (دعوة الباطل ).. ذكر تعالى هنا مثلين ضربهما للحق واهله، والباطل وحزبه، ليتضح الفرق بين الهدى والضلال، والرشد والغي، ثم اعقبه بذكر مآل المومنين في دار النعيم، والكافرين في دار الجحيم.
اللغة :
[ زبداَ ] الزبد : الغثاء الذي يحمله السيل
[ رابيا ] عاليا منتفخا
[ جفاة ] مضمحلا متلاشيا، لا منفعة فيه ولا بقاء له يقال : جفا الماء بالزبد إذا قذفه ورمى به
[ المهاد ] الفراش وأصله المكان الممهد الموطأ للنوم والراحة
[ يدرءون ] يدفعون والدرء : الدفع
[ عقبى ] العاقبة ويسمى الجزاء على الفعل عقبى لانه يكون عقب الفعل
[ عدن ] استقرار وثبات وخلود، يقال : عدن بالمكان إذا اقام به
[ يبسط ] يوسع
[ يقدر ] يضيق
[ متاع ] كل شيء يتمتع به إلى أجل ثم ينتهي ويفنى
[ طوبى ] فرح وقرة عين، مصدر من طاب كبشرى وزلفى، ومعناه اصبت خيرا وطيبا
[ ييأس ] اليأس : القنوط من الشيء
[ أمليت ] أمهلت يقال :(املى الله له ) إذا أمهله وطول له المدة
[ واق ] اسم فاعل من وقى إذا دفع الأذى والضر عنه.
سبب النزول :
قال ابن عباس : نزلت في كفار قريش حين قال لهم النبي (ص) اسجدوا للرحمن قالوا : وما الرحمن ؟ أنسجد لما تأمرنا ؟ فأنزل الله :[ وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربى لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه متاب ]
التفسير :
[ أنزل من السماء ماء ] أي انزل تعالى من السماء مطرا
[ فسالت أودية بقدرها ] أي فجرت مياه الأودية بمقدار سعتها، كل بحَسَبه، فالكبير بمقدار كبره، والصغير بمقدار صغره
[ فاحتمل السيل زبدا رابيا ] اي حمل السيل الذي حدث من الأمطار، زبدا عاليا فوقه، وهو ما يحمله السيل من غثاء، ورغوة تظهر على وجه الماء، قال الطبري : هذا مثل ضربه الله للحق والباطل، والإيمان والكفر، فمثل الحق في ثباته، والباطل في اضمحلاله، مثل الماء الذي انزله الله من السماء إلى الأرض، فاحتمل السيل زبدا عاليا، فالحق هو الماء الباقي الذي يمكث في الأرض، والزبد الذي لا ينتفع به هو الباطل، وهذا أحد مثلي الحق والباطل، والمثل الآخر قوله تعالى :
[ ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله ] اي ومن الذي يوقد عليه الناس من المعادن، كالذهب والفضة والنحاس، مما يسبك في النار طلب الزينة، او الأشياء التي ينتفع بها كألاواني، زبد مثل زبد السيل، لا يتتفع به كما لا يتتفع بزَبَد السيل
[ كذلك يضرب الله الحق والباطل ] اي كذلك يضرب الله المَثَل للحق والمثَل للباطل، فمثل الحق في ثباته واستقراره، كمثل الماء الصافي الذي يستقر في الأرض فينتفع منه الناس، ومثل الباطل في زواله واضمحلاله، كمثل الزبد والغثاء الذي يقذف به الماء يتلاشى ويضمحل
[ فأما الزبد فيذهب جفاء ] اي فأما الزبد الذي لا خير فيه، مما يطفو على وجه الماء والمعادن، فانه يرمي به السيل ويقذفه، ويتفرق ويتمزق ويذهب في جانبي الوادي
[ وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ] أي وأما ما ينتفع الناس به من الماء الصافي، والمعدن الخالص، فيبقى ويثبت في الأرض