[ بل زين للذين كفروا مكرهم ] أي زين لهم الشيطان ذلك الكفر والضلال
[ وصدوا عن السبيل ] أي منعوا عن طريق الهدى
[ ومن يضلل الله فما له من هاد ] اي ومن يضلله الله فما له أحد يهديه
[ لهم عذاب في الحياة الدنيا ] اي لهؤلاء الكفرة عذاب عاجل في هذه الحياة الدنيا، بالقتل والأسر، وسائر المحن
[ ولعذاب الآخرة أشق ] أي ولعذابهم في الآخرة أثقل، واشد إيلاما من عذاب الدنيا
[ وما لهم من الله من واق ] اي وليس لهم من يحميهم من عذاب الله او يدفع عنهم سخطه وانتقامه ! !
البلاغة :
١ - [ أنزل من السماء ماء فسالت أودية.. ] الآية شبه تعالى الحق والباطل بتشبيه رائع يسمى (التشبيه التمثيلي ) لأن وجه الشبه فيه منتزع من متعدد، فمثل الحق بالماء الصافي، الذي يستقر في الأرض، والجوهر الصافي من المعادن الذي به ينتفع العباد، ومثل الباطل بالزبد والرغوة التي تظهر على وجه الماء، والخبث من الجوهر الذي لا يلبث أن يتلاشى ويضمحل، والصورة التي توحي بها الآية، صورة (الحق ) و(الباطل ) وهما في صراع كالزبد الذي تتقاذفه الأمواج [ فأما الزبد فيذهب جفاة وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض ] وهو تمثيل في منتهى الروعة والجمال.
٢ - [ فسالت أودية بقدرها ] مجاز عقلي من إسناد الشيء لمكانه، وآلأصل فسالت مياه الأودية.
٣ - [ كذلك يضرب الله الحق والباطل ] فيه إيجاز بالحذف اي امثال الحق، وامثال الباطل.
٤ - [ للذين استجابوا.. والذين لم يستجيبوا ] بينهما طباق السلب.
٥ - [ كمن هو أعمى ] شبه الجهل والكفر بالعمى على سبيل (الاستعارة التبعية) لأن المراد بالأعمى الجاهل الكافر.
٦ - [ سرا وعلانية ] بينهما طباق، وكذلك بين [ الحسنة والسيئة ] و[ يبسط ويقدر ] و[ يضل ويهدي ] للتضاد بين اللفظين.
٧ - [ إلا متاع ] أي إلا مثل المتاع الذي يستمتع به الإنسان في الحاجات المؤقتة، ففيه تشبيه بليغ لحذف الأداة ووجه الشبه.
فائدة :
بين تعالى في قوله :[ ومن صلح من آَبائهم وأزواجهم وذرياتهم ] ان النسب لا ينفع إذا لم يحصل معه العمل الصالح، وفيه قطع للأطماع الفارغة، لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب.
تنبيه :
قال الإمام الطيبي في قوله تعالى :[ أفمن هو قائم على كل نفس.. ] في هذه الآية احتجاج بليغ مبنى على فنون من علم البيان أولها : التوبيخ لهم على قياسهم الفاسد في عبادة غير الله ثانيها : وضع الظاهر [ لله ] موضع الضمير [ وجعلوا لله شركاء ] تنبيها على ضلالهم في جعل شركاء لمن هو فرد واحد لا يشاركه أحد في اسمه ثالثها : انكار لوجود الشركاء على وجه برهاني [ قل سموهم ] رابعها : نفي الشيء بنفي لازمه [ أم تنبئونه بما لا يعلم ] خامسها : الاحتجاج عليهم بطريق التدرج لبعثهم على التفكر [ أم بظاهر من القول ] أي أتقولون بأفواهكم من غير روية ولا تفكير ببطلان ما تقولون ؟ فكان هذا الاحتجاج مناديا على نفسه بالإعجاز، وانه ليس من كلام البشر).
قال الله تعالى :[ مثل الجنة التي وعد المتقون تجري من تحتها الأنهار.. إلى.. ومن عنده علم الكتاب ]. من آية (٣٥) إلى نهاية السورة الكريمة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى ما أعد للكفار في الآخرة، ذكر ما اعده للمؤمنين في جنات النعيم، ثم توعد المشركين بالعذاب الأليم، وختم السورة الكريمة ببيان صدق رسالته، بشهادة الله تعالى وشهادة المؤمنين من اهل الكتاب على أنه نبى مرسل.
اللغة :
[ الأحزاب ] الطوائف المتفرقة من احزاب اليهود والنصارى، سموا بذلك لأنهم جماعات متفرقة لا تجمعهم عقيدة واحدة
[ مآب ] اي مآبي بمعنى مرجعي
[ يمحو ] المحو : إزالة الأثر من كتابة او غيرها، وعكسه الإثبات
[ أم الكتاب ] أصل كل الكتب، والمراد منه علم الله أو اللوح المحفوظ