[ فردوا أيديهم في أفواههم ] أي وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبا لهم، وقال ابن مسعود : عضوا أصابعهم غيظا (( مبنى القول الثاني على المجاز ومثله ﴿عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ﴾ والقول الأول محمول على الحقيقة، وتوضيحه أنهم لما سمعوا كلام الأنبياء عجبوا منه وضحكوا على سبيل السخرية، فعند ذلك ردوا أيديهم في أفواههم كما يفعل ذلك من غلبه الضحك فوضع يده على فيه، وهذا من حماقتهم وسوء أدبهم ))
[ وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به ] أي كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم به
[ وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ] أي في شك عظيم من دعوتكم، وقلق واضطراب من دينكم
[ قالت رسلهم أفي الله شك ] أي أجابهم الرسل بقولهم : أفي وجود الله ووحدانيته شك ؟ والاستفهام للإنكار والتوبيخ، لأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة، ولهذا لفتوا الانتباه إلى براهين وجوده بقولهم
[ فاطر السموات والأرض ] أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق
[ يدعوكهم ليغفر لكم من ذنوبكم ] أي يدعوكم إلى الإيمان ليغفر لكم ذنوبكم
[ ويؤخركم الى أجل مسمى ] أي إن آمنتم أمد في أعماركم إلى منتهى آجالكم، ولم يعاقبكم في العاجل فيهلككم
[ قالوا إن أنتم الا بشر مثلنا ] أي ما انتم إلا بشر مثلنا لا فضل لكم علينا
[ تريدون أن تصدونا عما كان يعبد آباؤنا ] أي تريدون أن تصرفونا عن عبادة الأوثان التي كان عليها آباؤنا
[ فأتونا بسلطان مبين ] أي فأتونا بحجة ظاهرة على صدقكم
[ قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ] أي قالت الرسل : نحن كما قلتم : بشر مثلكم
[ ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ] أي يتفضل على من يشاء بالنبوة والرسالة، قال الزمخشري : لم يذكروا فضلهم تواضعا منهم، وسلموا لقولهم وأنهم بشر مثلُهم في البشرية وحدها، فأما ما وراء ذلك فما كانوا مثلهم
[ وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله ] أي وما ينبغي لنا أن نأتيكم بحجة وآية مما اقترحتموه علينا إلا بمشيئة الله وإذنه
[ وعلى الله فليتوكل المؤمنون ] أي على الله وحده، فليعتمد المؤمنون في جميع أمورهم
[ وما لنا ألا نتوكل على الله ] أي قالت الرسل : أي شيء يمنعنا من التوكل على الله ؟
[ وقد هدانا سبلنا ] أي والحال أنه قد بصرنا طريق النجاة من عذابه
[ ولنصبرن على ماآذيتمونا ] أي ولنصبرن على أذاكم، قال ابن الجوزي : وإنما قص هذا وأمثاله على نبينا، ليفتدي بمن قبله في الصبر، وليعلم ما جرى لهم
[ وعلى الله فليتوكل المتوكلون ] ليس هذا تكرارا وإنما معناه الثبات على التوكل، أي فليدوموا وليثبتوا على التوكْل عليه وحده، وهنا يسفر الطغيان عن وجهه، متبجحا بالقوة المادية، التي يملكها المتجبًرون
[ وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا ] أي قال الكفار للرسل الأطهار : والله لنطردنكم من ديارنا، أو لترجعن إلى ديننا
[ فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين ] أي أوحى الله إلى الرسل، لأهلكن أعداءكم الكافرين المتجبرين
[ ولنسكننكم الأرض من بعدهم ] أي ولأمنحنكم سكنى أرضهم بعد هلاكهم
[ ذلك لمن خاف مقامي وخاف وعيد ] أي ذلك النصر للرسل وأهلاك الظالمين، لمن خاف مقامه بين يدى وخاف عذابي ووعيدي، قال في البحر : ولما أقسموا على إخراج الرسل، أو العودة في ملتهم، أقسم تعالى على أهلاكهم، وأيْ إخراج أعظم من الأهلاك، بحيث لا يكون لهم عودة إليها أبدا
[ واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد ] أي واستنصر الرسل بالله على قومهم، وخسر وهلك كل متجبر معاند للحق
[ من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد ] أي من وراء ذلك الكافر (جهنم ) ويسقى فيها من ماء صديد هو من قيح ودمٍ
[ يتجرعه ولا يكاد يسيغه ] أي يبتلعه مرة بعد مرة لمرارته، ولا يكاد يستسيغه لقبحه وكراهته


الصفحة التالية
Icon