عن ابن عباس قال : كانت امرأة تصلي خلف رسول الله (ص) حسناء من أحسن الناس، فكان بعض القوم يتقدم حتى يكون في الصف الأول لئلا يراها، ولتأخر بعضهم حتى يكون في الصف المؤخر فإذا ركع نظر من تحت إبطه فأنزل الله [ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ].
التفسير :
[ الر ] إشارة إلى إعجاز القرآن أي هذا الكتاب العجيب المعجز كلام الله تعالى، وهو منظوم من أمثال هذه الحروف الهجائية : الألفُ، واللام، والراء
[ تلك الآيات الكتاب ] أي هذه الآيات الكتاب، الكامل في الفصاحة والبيان، المتعالي عن الطاقة البشرية،
[ وقرآَن مبين ] أي قرآن عظيم الشأن، واضح بين، لا خلل فيه ولا اضطراب
[ ربما يود الذين كفروا ] أي ربما تمنى الكفار
[ لو كانوا مسلمين ] أي لو كانوا في الدنيا مسلمين، وذلك عند معاينة أهوال الآخرة
[ ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ] أي دَغهم يا محمد يأكلوا كما تأكل البهائم، ويستمتعوا بدنياهم الفانية
[ ويلههم الأمل ] أي يشغلهم الأمل بطول الأجل، عن التفكر فيما ينجيهم من عذاب الله
[ فسوف يعلمون ] أي عاقبة أمرهم، إذا رآوا القيامة، وذاقوا وبال ما صنعوا، وهو وعيد وتهديد
[ وما أهلكنا من قرية ] أي وما أهلكنا أهل قرية من القرى الظالمة، التي كذبت رسل الله
[ إلا ولها كتاب معلوم ] أي إلا لها أجل محدود لإهلاكها
[ ما تسبق من أمة أجلها ] أي لا يتقدم هلاك أمةٍ قبل مجيء أوانه
[ وما يستأخرون ] أي ولا يتأخر عنهم، قال ابن كثير : وهذا تنبيه لأهل مكة، وإرشاد لهم إلى الإقلاع عما هم عليه من العِناد والإلحاد، الذي يستحقون به الهلاك،
[ وقالوا يا أيها الذي نزلَ عليه الذكر ] قال كفار قريش لمحمد (ص) على جهة الاستهزاء والتهكم : يا من تزعم وتدعي أن القرآن نزل عليك
[ إنك لمجنون ] أي إنك حقا لمجنون، أكدوا الخبر بإن واللام، مبالغة في الاستخفاف والاستهزاء بمقامه الشريف،
[ لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين ] أي هلا جئتنا بالملائكة لتشهد لك بالرسالة، إن كنت صادقا في دعواك أنك رسول الله ! ! قال تعالى ردا عليهم :
[ ما ننَزلُ الملائكة إلا بالحق ] أي ما ننزل ملائكتنا إلا بالعذاب لمن أردنا إهلاكه
[ وما كانوا إذا منظرين ] أي وفي هذه الحالة لا إمهال لهم ولا تأجيل، والغرض أن عادة الله تعالى قد جرت في خلقه، أنه لا ينزل الملائكة إلا لمن يريد إهلاكهم بعذاب الاستئصال، وهو لا يريد ذلك مع أمته، لعلمه تعالى أنه سيخرج من أصلابهم من يعبد الله، ففيه رد عليهم فيما اقترحوا
[ إنا نحن نزلنا الذكر ] أي نحن بعظمة شأننا، نزلنا عليك القرآن يا أيها الرسول المكرم
[ وإنا له لحافظون ] أي ونحن الحافظون لهذا القرآن، نصونه عن الزيادة والنقصان، والتبديل والتغيير، قال المفسرون : تكفل الله بحفظ هذا القرآن، فلم يقدر أحد على الزيادة فيه ولا النقصان، ولا على التبديل والتغيير، كما جرى في غيره من الكتب، فإن حفظها موكود إلى أهلها، لقوله تعالى :[ بما استحفظوا من كتاب الله ] وانظر الفرق بين هذه الآية [ وإنا له لحافظون ] حيث ضمن تعالى حفظه، وبين الآية السابقة، حيث وَكَلَ تعالى حفظه، اليهم فبدًلوا وغيروا
[ ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ] أي ولقد أرسلنا من قبلك يا محمد (ص) رسلا في طوائف وفرق الأمم الأولين
[ وما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون ] أي وما جاءهم رسول إلا سخروا منه واستهزءوا به، وهذه تسلية للنبي (ص)، والمعنى : كما فعل بك هؤلاء المشركون، فكذلك فعل بمن قبلك من الرسل، فلا تحزن على سخريتهم واستهزائهم بك


الصفحة التالية
Icon