[ كذلك نسلكه في قلوب المجرمين ] أي كذلك نسلك الباطل والضلال والاستهزاء بأنبياء الله في قلوب المجرمين، كما سلكناه وأدخلناه في قلوب أولئك المستهزئين
[ لا يؤمنون به وقد خلت سنة الأولين ] أي لا يؤمنون بهذا القرآن، وقد مضت سنة الله بإهلاك الكفار، فما أقرب هؤلاء من الهلاك والدمار ؟ ثم بين تعالى أن كفار مكة لا ينقصهم توافر براهين الإيمان، فهم معاندون مكابرون، وفي ضلالهم وعنادهم سائرون، فقال سبحانه :
[ ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون ] أي لو فرض أننا أصعدناهم إلى السماء، وفتحنا لهم بابا من أبوابها، فظلوا يصعدون فيه حتى شاهدوا الملائكة والملكوت
[ لقالوا إنما سكرت أبصارنا ] أي لقالوا - لفرطِ مكابرتهم وعنادهم - إنما سُدت أبصارنا وخُدعت بهذا الارتقاء والصعود
[ بل نحن قوم مسحورون ] أي سحرنا محمد وخيل إلينا ذلك، وما هو إلا سحر مبين، قال الرازي : لو ظل المشركون يصعدون في تلك المعارج، وينظرون إلى ملكوت الله تعالى وقدرته وسلطانه، والى عبادة الملائكة الذين هم من خشيته مشفقون، لشكهوا في تلك الروية، وبقوا مصرين على الكفر والعناد كما جحدوا سائر المعجزات من انشقاق القمر، والقرآن المعجز الذي لا يستطيع الجن والإنس أن يأتوا بمثله، ثم ذكر تعالى البراهين الدالة على وحدانيته وقدرته فقال :
[ ولقد جعلنا في السماء بروجا ] أي جعلنا في السماء منازل تسير فيها الأفلاك والكواكب
[ وزيناها للناظرين ] أي زيناها بالنجوم ليُسرالناظر إليها
[ وحفظناها من كل شيطان رجيم ] أي حفظنا السماء الدنيا من كل شيطان لعين مطرود من رحمة الله
[ إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين ] أي إلا من اختلس شيئا من أخبار السماء، فأدركه ولحقه شهاب ثاقب فأحرقه
[ والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي ] أي بسطناها ووسعناها وجعلنا فيها جبالا ثوابت (( قال الفخر الرازي : ان الأرض كرة فى غاية العظمة، والكرة العظيمة تكون كل قطعة صغيرة منها إذا نظر إليها كالسطح المستوي فلا إشكال فى بسطها مع أنها كرة والدليل قوله تعالى :﴿والجبال أوتادا﴾ سماها أوتادا مع أنه قد يحصل عليها سطوح عظيمة مستوية فكذا هنا ))
[ وأنبتنا فيها من كل شيئ موزون ] أي أنبتنا في الأرض من الزروع والثمار، من كل شىء موزون بميزان الحكمة، بدقة وإحكام وتقدير
[ وجعلنا لكم فيها معايش ] أي ما تعيشون به من المطاعم والمشارب
[ ومن لستم له برازقين ] أي وجعلنا لكم من العيال والمماليك والأنعام من لستم له برازقين، لأننا نخلق طعامهم وشرابهم لا أنتم
[ وإن من شيء إلا عندنا خزائنه ] أي ما من شيء من أرزاق الخلق والعباد ومنافعهم إلا عندنا خزائنه ومستودعاته
[ وما ننزله إلا بقدر معلوم ] أي ولكن لا ننزله إلا على حسب حاجة الخلق إليه، وعلى حسب المصالح، كما نشاء ونريد
[ وأرسلنا الرياح لواقح ] أي تلقًح السحاب فيدر ماء، وتلقح الشجر فيتفتح عن أوراقه وأكمامه، فالريح كالفحل للسحاب والشجر
[ فأنزلنا من السماء ماء فأسقيناكموه ] أي فأنزلنا من السحاب ماءً عذبا، جعلناه لسقياكم ولشرب أرضكم ومواشيكم
[ وما أنتم له بخازنين ] أي لستم بقادرين على خزنه، بل نحن بقدرتنا نحفظه لكم قي العيون والآبار وآلأنهار، ولو شئنا لجعلناه غائرا في الأرض فهلكتم عطشا كقوله :[ قل أرأيتم أن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين ]
[ وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ] أي الحياة والموت بيدنا ونحن الباقون بعد فناء الخلق، نرث الأرض ومن عليها، وإلينا يرجعون


الصفحة التالية
Icon