[ ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين ] أي أحطنا علما بالخلق أجمعين، الأموات منهم والأحياء، قال ابن عباس : المستقدمون كل من هلك من لدن آدم عليه السلام، والمستأخرون من هو حي ومن سيأتي إلى يوم القيامة، وقال مجاهد : المستقدمون : الأمم السابقة، والمستأخرون أمة محمد (ص)، والغرض أنه تعالى محيط علمه بمن تقدم وبمن تأخر، لا يخفى عليه شيء من أحوال العباد، وهو بيان لكمال علمه بعد الإحتجاج على كمال قدرته
[ وإن ربك هو يحشرهم ] أي وإن ربك يا محمد هو يجمعهم للحساب والجزاء
[ إنه حكيم عليم ] أي حكيم في صنعه، عليم بخلقه، ولما ذكر تعالى الموت والفناء، والبعث والجزاء، نبههم إلى مبدأ أصلهم وتكوينهم من نفس واحدة، ليشير إلى أن القادر على الإحياء قادر على الفناء والإعادة، وذكرهم بعداوة إبليس لأبيهم آدم ليحذروه فقال تعالى :
[ ولقد خلقنا الانسان من صلصال ] أي خلقنا آدم من طين يابسٍ يسمع له صَلصلة أي صوت إذا نُقر
[ من حمأ سنون ] أي من طين أسود متغير
[ والجان خلقناه من قبل من نار السموم ] أي ومن قبل آَدم خلقنا الجان - أي الشياطين ورئيسهم إبليس - من نار السموم وهي النار الحارة الشديدة التي تنفذ في المسام فتقتل بِحرها، قال المفسرون : عني بالجانً هنا " إبليس " أبا الجنً لأن منه تناسلت الجن فهو أصل لها، كما أن آدم أصل للإنس
[ وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون ] أي اذكر يا محمد وقت قول ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين يابس أسود متغير، قال ابن كثير : فيه تنويه بذكر آدم فى الملائكة قبل خلقه له، وتشريفه إياه بأمر الملائكة بالسجود له، وامتناع إبليس عدوه عن السجود له حسداً وكفرا
[ فإذا سويته ] أي سويت خَلقه وصورته، وجعلته إنسانا كاملا معتدل الأعضاء
[ ونفخت فيه من روحي ] أي افضتُ عليه من الروح التي هي خلق من خلقي، فصار بشرا حياَ
[ فقعوا له ساجدين ] أي خروا له ساجدين، سجود (تحية وتكريم ) لا سجود عبادة، قال المفسرون : وإنما أضاف الروح إليه تعالى، على سبيل التشريف والتكريم، كقوله (بيت الله ) و(ناقة الله ) و(شهر الله ) وهي من إضافة الملك إلى المالك، والصنعة إلى الصانع
[ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ] أي سجد لآدم جميع الملائكة، لم يمتنع منهم أحد
[ إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين ] الاستثناء منقطع، لأن إبليس خلق آخر من الجن، وهو هو غير الملائكة، فهو من نار وهم من نور، وهم لا يعصون الله ما أمرهم وهو أبى وعص، فليس هو من الملائكة بيقين، ولكنه كان بين صفوفهم، فتوجه إليه الخطاب، والمعنى : سجد جميع الملائكة، لكنْ إبليس امتنع من السجود بعد أن صدر له الأمر الإلهي
[ قال يا إبلبس ما لك ألا تكون مع الساجدين ] أي ما المانع لك من السجود ؟ وأي داعِ دعا بك إلى الاباء والامتناع ؟ وهو استفهام تبكيت ونوبيخ
[ قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون ] أي قال إبليس : لا ينبغي ولا يليق لمثلي أن يسجد لآدم ؟ وهو مخلوق من طين يابس متغير، فهو من طين، وأنا من نار، فكيف يسجد العظيم للحقير ؟ والفاضل للمفضول ؟ رأى عدوَ الله نفسه، أكبر من أن يسجد لآدم ومنعه كبره وحسده عن امتثال أمر الله
[ قال فاخرج منها فإنك رجيم ] أي اخرج من السموات، فانك مطرود من رحمتي
[ وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين ] أي وإن عليك لعنتى، إلى يوم الجزاء والعقوبة
[ قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون ] أي قال اللعين : أمهلني وأخرني إلى يوم البعث ! !