[ قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم ] أي قال له الله : إنك من المؤجلين، إلى حين موتِ الخلائق، قال القرطبي : أراد بسؤاله الإنظار - إلى يوم يبعثون - ألا يموت، لأن البعث لا موتَ بعده، فأجابه المولى بالإنظار، إلى يوم الوقت المعلوم، وهو يوم موت الخلائق، فيموت إبليس ثم يُبعث
[ قال رب بما أغويتني ] أي بسبب إغوائك وإضلالك لي
[ لأزينن لهم في الأرض ] أي لأزينن لذرية آدم المعاصي والآثام
[ ولأغوينهم أجمعين ] أي ولأضلنهم عن طريق الهدى أجمعين
[ إلا عبادك منهم المخلصين ] أي إلا من استخلصته من عبادك لطاعتك ومرضاتك، فلا قدرة لي على إغوائه
[ قال هذا صراط علي مستقيم ] أي قال تعالى : هذا طريق مستقيم واضح، وسنة ازلية لا تتخلف، وهي :
[ إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ] أي إن عبادي المؤمنين، لا قوة لك على إضلالهم
[ إلا من اتبعك من الغاوين ] استثناء منقطع لأن الغاوين ليسوا من عباد الله المخلَصِين، والمعنى : لكن من غوى وضل من الكافرين، فلك عليهم تسلط، لأن الشيطان إنما يتسلط على الشاردين عن الله، كما يتسلط الذئب على الشارد من القطيع
[ وإن جهنم لموعدهم أجمعين ] أي موعد إبليس وأتباعه جميعا نار الجحيم
[ لها سبعة أبواب ] أي لجهنم سبعة أبواب يدخلون منها لكثرتهم، وروي عن علي أنها أطباق، طبق فوق طبق، وأنها دركات بعضها أشد من بعض
[ لكل باب منهم جزء مقسوم ] أي لكل جماعة من أتباع (إبليس ) باب معينْ معلوم، قال ابن كثير : كل يدخل من بابٍ بحسب عمله، ويستقر في دَرَك بقدر عملة.
البلاغة :
تضمنت الآيات الكريمة من وجوه البيان والبديع ما يلي :
١ - المجاز المرسل في [ وما أهلكنا من قرية ] المراد أهلها وهو من باب إطلاق المحل، وإرادة الحال.
٢ - الاستعارة التخيلية في قوله [ عندنا خزائنه ] فهو تمثيل لكمال قدرته، شبه قدرته على كل شيء، بالخزائن المودوعة فيها الأشياء، لاخراج كل شيء بحسب ما اقتضته حكمته، على طريق الاستعارة البديعة !
٣ – الطباق بين [ نحيي.. ونميت ] وبين [ المستقدمين.. والمستأخرين ].
٤ - جناس الاشتقاق في [ خزائنه.. وخازنين ].
٥ - السجع الذي له وقع على السمع مثل [ المجرمين، الأولين، المنظرين ] إلخ.
لطيفة :
ذُكر أن رجلا أراد أن يمتحن الأديان أيها أصح وأحسن ؟ فعمد إلى التوراة والإنجبل والقرآن - وكان خطاطا - فنسخ من كل كتاب نسخة، بخط بديع جميل، وزاد فيها ونقص، ثم عرض التوراة على (علماء اليهود) فقبلوها وتصفحوها وأكرموه بالمال، ثم عرض الإنجيل الذي نسخه بيده على القسس فاشتروه بثمن كبير وأكرموه، ثم عرض نسخة القرآن على شيوخ المسلمين فنظروا فيه، فلما رآوا فيه بعض الزيادة والنقص، امسكوا به فضربوه ثم رفعوا أمره إلى السلطان فحكم بقتله، فلما أراد قتله أشهر إسلامه، وأخبرهم بقصته، وأنه امتحن الأديان فعرف أن الإسلام دين حق.
قال الله تعالى :[ إن المتقين في جنات وعيون.. ] إلى قوله [ واعبد ربك حتى يأتيك اليقين ]. من آية (٤٥ ) الى نهاية آية (٩٩).
المناسبة :
لما ذكر تعالى حال الأشقياء من أهل الجحيم، أعقبهم بذكر حال السعداء من أهل النعيم، ثم ذكر قصص بعض الرسل مع أقوامهم (لوط، وشعيب، وصالح ) تسلية لرسول الله(ص) ليتأسى بهم في الصبر، ثم ذكر الأدلة والبراهين على وحدانية رب العالمين، وختم السورة الكريمة، ببشارته عليه السلام بإهلاك أعدائه المستهزئين، وقد حقق تعالى وعده له !
اللغة :
[ نصب ] تعب واعياء
[ وجلون ] خائفون فزعون
[ الغابرين ] الباقين في العذاب
[ القانطين ] القنوط : كمالُ اليأس


الصفحة التالية
Icon