[ والصافات صفا ] إفتتح تعالي هذه السورة بالقسم ببعض مخلوقاته، إظهارا لعظم شأنها، وكبر فوائدها، وتنبيها للعباد على جلالة قدرها والمعني : أقسم بهذه الطوائف من الملائكة، الصافات قوائمها في الصلاة، أو أجنحتها في إرتقاب أمر الله قال ابن مسعود : هم الملائكة تصف في السماء في العبادة والذكر صفوفا، وفي الحديث (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربهم ؟ قلنا : وكيف يا رسول الله ؟ قال : يتمون الصفوف المتقدمة، ويراصون في الصف ) أقسم تعالي بالملائكة تنبيها على جلالة قدرهم، وكثرة عبادتهم، فهم مع عظيم خلقهم ورفعة شأنهم، لا ينفكون عن عبادة الله، يصطفون للعبادة كاصطفاف المؤمنين في الصلاة، مع الخشوع والخضوع للعزيز الجبار، الذي دانت له الخلائق، وخضعت لجلال هيبته الرقاب، بما فيهم حملة العرش والملائكة الأطهار
[ فالزاجرات زجرا ] أي الملائكة التي تزجر السحاب، يسوقونه إلي حيث شاء الله، من الزجر بمعني السوق والحث
[ فالتاليات ذكرا ] وصف ثالث للملائكة الأبرار، إشادة بذكر محاسنهم ومناقبهم العلوية أي وأقسم بالملائكة التالين لآيات الله علي أنبيائه وأوليائه، مع التسبيح والتقديس والتحميد والتمجيد
[ إن إلهكم لواحد ] هذا هو المقسم عليه أي إن إلهكم الذي تعبدونه - أيها الناس - إلة واحد لا شريك له، قال مقاتل : إن الكفار بمكة قالوا : أجعل الآلهة إلها واحدا ؟ وكيف يسع هذا الخلق إله فرد ؟ فأقسم الله بهؤلاء تشريفا، ثم بين تعالي معنى وحدانيته وألوهيته فقال
[ رب السموات والأرض وما بينهما ] أي هو تعالي خالق السموات والأرض، ومالكهما وما بينهما من المخلوقات والموجودات، فإن وجودهما وإنتظامهما على هذا النمط البديع، من أوضح الدلائل على وجود الله ووحدانيته
[ ورب المشارق ] أي وهو رب مشارق الشمس ومغاربها في الشتاء والصيف قال الطبري : واكتفى بذكر (المشارق ) عن (المغارب ) لدلالة الكلام عليه ثم أخبر عن قدرته بتزيين السماء بالكواكب، بعد أن أخبر عن وحدانيته فقال
[ إنا زينا السماء الدنيا بزينة الكواكب ] أي زينا السماء القريبة منكم بالكواكب المنيرة المضيئة، التي تبدو وكأنها جواهر تتلألأ
[ وحفظا من كل شيطان مارد ] أي وللحفظ من كل شيطان عات متمرد، خارج عن طاعة الله قال قتادة : خلقت النجوم لثلاث : رجوما للشياطين، ونورا يهتدى بها، وزينة للسماء الدنيا وقال أبو حيان : خلق السماء الدنيا بالذكر لأنها هي التي تشاهد بالأبصار، وفيها وحدها يكون الحفظ من الشياطين
[ لا يسمعون إلي الملأ الأعلي ] أي لا يقدرون أن يستمعوا إلي الملائكة الذين هم في العالم العلوي، وقيل المعني : لئلا يستمعوا إلي الملأ الأعلى
[ ويقذفون من كل جانب ] أي ويرجمون بالشهب من كل جهة يقصدون السماء منها
[ دحورا ] أي طردا لهم عن السماع لأخبار السماء قال الطبرى : أي مطرودين، من الدحر وهو الدفع والإبعاد
[ ولهم عذاب واصب ] أي ولهم في الآخرة عذاب موصول لا ينقطع
[ إلا من خطف الخطفة ] أي إلا من اختلس شيئا مسارقة
[ فأتبعه شهاب ثاقب ] أي فلحقه شهاب مضيء، نافذ بضوئه وشعاعه فأحرقه قال المفسرون : قد يخطف الشيطان المارد خطفة سريعة، مما يدور في الملأ الأعلي، فيتبعه شهاب يلاحقه في هبوطه، فيصيبه ويحرقه حرقا، قال القرطبي : وليست الشهب التي يرجم بها الشياطين من الكواكب الثوابت، لأن الثابتة تجري ولا تري حركاتها، وهذه الشهب تري حركاتها
[ فاستفتهم ] أي فسل يا محمد هؤلاء المنكرين للبعث
[ أهم أشد خلقا أم من خلقنا ] ؟ أي أيهم أقوي بنية وأشد خلقا ؟ هل هم أم السموات والأرض ؟ وما بينهما من الملائكة والمخلوقات العظيمة العجيبة ؟