[ إنا خلقناهم من طين لازب ] أي من طين رخو لزج لا قوة فيه، قال الطبري : وإنما وصفه باللزوب لأنه تراب مخلوط بماء، وكذلك خلق ابن آدم من تراب وماء، ونار وهواء، والتراب إذا خلط بماء صار طينا لازبا، والغرض من الآية إقامة البرهان علي إعادة الإنسان، فالذي خلقه من العدم وخلق هذه الخلائق، قادر على إعادة الأجسام بعد إلينا
[ بل عجبت ويسخرون ] أي بل عجبت يا محمد من تكذيبهم للبعث، مع رؤيتهم آثار قدرة الله الباهرة، وهم يسخرون منك ومما تقول لهم في ذلك قال أبو السعود : المعنى عجبت من قدرة الله تعالي علي هذه الخلائق العظيمة لإنكارهم للبعث، وهم يسخرون من تعجبك وتقريرك للبعث
[ وإذا ذكروا لا يذكرون ] أي وإذا وعظوا بالقرآن وخوفوا به، لا يتعظون ولا يتدبرون
[ وإذا رأوا آية يستسخرون ] أي وإذا رأوا آية باهرة، أو معجزة قاهرة تدل علي صدقك كانشقاق القمر، وتكليم الشجر والحجر، يبالغون في السخرية أو يدعون غيرهم للسخرية والاستهزاء
[ وقالوا إن هذا إلا سحر مبين ] أي ما هذا الذي جئتنا به يا محمد إلا سحر واضح بين قال في البحر : والاشارة ب " هذا " إلي ما ظهر على يديه عليه السلام من الخارق المعجز
[ أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما أئنا لمبعوثون ] الاستفهام للإنكار والاستهزاء أي أئذا أصبحت أجسادنا بالية، وتفتت أجزاؤها إلي تراب وعظام سوف نبعث ؟
[ أو آباؤنا الأولون ] أي أو آباؤنا الأولون كذلك سيبعثون ؟ قال الزمخشري : أي أيبعث أيضا آباؤنا ؟ وهذا زيادة في استبعاد الأمر، يعنون أنهم أقدم، فبعثهم أبعد وأبطل
[ قل نعم وأنتم داخرون ] أي قل لهم نعم تبعثون وأنتم صاغرون
[ فإنما هي زجرة واحدة ] أي وما هي إلا صيحة واحدة ينفخ فيها إسرافيل في الصور للقيام من القبور
[ فإذا هم ينظرون ] أي فإذا هم قيام في أرض المحشر، ينظر بعضهم إلي بعض قال القرطبي : الزجرة : الصيحة وهي النفخة الثانية، وسميت زجرة لأن مقصودها الزجر، كزجر الإبل، والخيل عند السوق.. ثم أخبر تعالي عن حسرتهم وندامتهم عند معاينتهم أهوال القيامة فقال
[ وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين ] أي يا هلاكنا وخسارتنا هذا هو يوم الجزاء والحساب ! ! فتقول لهم الملائكة علي سبيل التوبيخ والتقريع
[ هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون ] أي هذا يوم الفصل بين الخلائق الذي كنتم تنكرونه وتكذبون به قال البيضاوي : الفصل : القضاء والتفريق بين المحسن والمسئ
[ احشروا الذين ظلموا وأزواجهم ] أي اجمعوا الظالمين وأشباههم من العصاة والمجرمين، كل إنسان مع نظرائه قال القرطبي : الزاني مع الزاني، وشارب الخمر مع شارب الخمر، والسارق مع السارق وقال ابن عباس : اجمعوا الظالمين ونساءهم الكافرات، وعنه المراد به أشباههم من العصاه
[ وما كانوا يعبدون من دون الله ] أي وما كانوا يعبدون من الأوثان والأصنام، وذلك زيادة في تحسيرهم وتخجيلهم
[ فاهدوهم إلي صراط الجحيم ] أي فعرفوهم طريق الجحيم ووجهوهم إليها، وفي لفظ [ اهدوهم ] تهكم وسخرية، فإذا لم يهتدوا في الدنيا الي الصراط المستقيم، فليهتدوا اليوم إلي صراط الجحيم
[ وقفوهم أنهم مسئولون ] أي احبسوهم عند الصراط، لأنهم سيسألون عن جميع أقوالهم وأفعالهم، ثم يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ
[ ما لكم لا تناصرون ] أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضا وأنتم هنا جميعا وكلكم في حاجة إلى الناصر والمعين ؟ قال المفسرون : هذا إشارة إلي قول أبي جهل يوم بدر (نحن جميع منتصر) وأصل [ تناصرون ] تتناصرون حذفت إحدي التاءين تخفيفا، قال تعالي
[ بل هم اليوم مستسلمون ] أي بل هم اليوم أذلاء منقادون، عاجزون عن الإنتصار، سواء منهم العابدون والمعبودون