[ وأقبل بعضهم علي بعض يتساءلون ] أي أقبل الرؤساء والأتباع يتلاومون ويتخاصمون قال أبو السعود : وسؤالهم إنما هو سؤال توبيخ بطريق الخصومة والجدال
[ قالوا إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين ] أي قال الأتباع منهم للمتبوعين : إنكم كنتم تأتوننا من قبل الحق، وتزينون لنا الباطل، وتصدوننا عن اتباع طريق الهدي، قال الطبرى : أي كنتم تأتوننا من قبل الدين والحق، فتخدعوننا بأقوي الوجوه، قال : واليمين في كلام العرب : القوة والقدرة، كقول الشاعر : إذا ما راية رفعت لمجد! تلقاها عرابة باليمين " وقيل : المراد تأتوننا بطريق الوسوسة عن يميننا، كما هو المعتاد في حالة الوسوسة بالأسرار غالبا
[ قالوا بل لم تكونوا مؤمنين ] أي يقول لهم الرؤساء : لم نحملكم نحن على الضلال، ولم نمنعكم من الإيمان، بل كفرتم ولم تؤمنوا بإختياركم قال ابن كثير : أي ليس الأمر كما تزعمون، بل كانت قلوبكم منكرة للإيمان، قابلة للكفر والعصيان
[ وما كان لنا عليكم من سلطان ] أي ما كان لنا عليكم من قوة وقدرة نقهركم بها علي متابعتنا
[ بل كنتم قوما طاغين ] أي بل كان فيكم فجور وطغيان، واستعداد للعصيان، فلذلك استجبتم لنا واتبعتمونا
[ فحق علينا قول ربنا ] أي فوجب علينا جميعا وعيد الله لنا بالعذاب
[ إنا لذائقون ] أي فإنا لذائقو هذا العذاب لا محالة
[ فأغويناكم إنا كنا غاوين ] أي فزينا لكم الباطل، ودعوناكم إلي الغي، لأننا كنا على غي وضلال، قال تعالي مخبرا عن حالهم
[ فإنهم يومئذ في العذاب مشتركون ] أي فإنهم يوم القيامة مشتركون في العذاب، كما كانوا مشتركين في الغواية، ولكن كما قال تعالي [ ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب مشتركون ]
[ إنا كذلك نفعل بالمجرمين ] أي مثل هذا الفعل بهؤلاء، نفعل بالأشقياء المجرمين، ثم بين تعالي السبب فقال
[ إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون ] أي إذا قيل لهم قولوا [ لا إله إلا الله ] يتكبرون ويتعظمون
[ ويقولون أئنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون ] ؟ أي ويقولون عندما يدعون إلي التوحيد : أنترك عبادة الأوثان لقول شاعر مجنون ؟ يعنون بذلك رسول الله(ص)، قاتلهم الله ! ! قال تعالي ردا عليهم
[ بل جاء بالحق وصدق المرسلين ] أي ليس الأمر كما يفترون، بل جاءهم محمد بالتوحيد والإسلام الذي هو الحق الأبلج، وجاء بمثل ما جاء به الرسل قبله قال أبو حيان : جمع المشركون بين إنكار الوحدانية، وإنكار الرسالة، ثم خلطوا في كلامهم بقولهم " شاعر مجنون " فإن الشاعر عنده من الفهم والحذق ما ينظم به المعاني الغريبة، ويصوغها في قالب الألفاظ البديعة، ومن كان مجنونا لا يصل إلي شيء من ذلك، فكلامهم تخليط وهذيان
[ إنكم لذائقوا العذاب الأليم ] أي إنكم أيها المجرمون لمعذبون أشد العذاب
[ وما تجزون إلا ما كنتم تعملون ] أي لا تعاقبون إلا جزاء مثل عملكم قال الصاوي : لأن الشر يكون جزاؤه بقدره، بخلاف الخير فجزاؤه بأضعاف مضاعفة.. ولما ذكر شيئا من أحوال الكفار وعذابهم، ذكر شيئا من أحوال المؤمنين ونعيمهم، على طريقة القرآن في الموازنة بين الفريقين ترغيبا وترهيبا، فقال سبحانه
[ إلا عباد الله المخلصين ] الاستثناء منقطع أي لكن عباد الله المخلصين الموحدين، فإنهم لا يذوقون العذاب، ولا يناقشون الحساب، بل يتجاوز الله عن سيئاتهم، يجزون الحسنة بعشر أمثالها إلي سبعمائة ضعف.. ثم أخبر عن جزائهم، فقال سبحانه
[ أولئك لهم رزق معلوم ] أي أولئك الأخيار الأبرار، لهم رزقهم في الجنة صباحا ومساء كما قال تعالي [ ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا ] وقال أبو السعود : معلوم الخصائص من حسن المنظر، ولذة الطعم، وطيب الرائحه، ثم فسر الرزق بقوله