[ وتركنا عليه في الآخرين ] أي تركنا عليه ثناء حسنا في كل أمة إلي يوم القيامة
[ سلام علي نوح في العالمين ] أي سلام عطر من الله تعالي والخلائق على نوح باق على الدوام بدون إنقطاع
[ إنا كذلك نجزي المحسنين ] أي هكذا نجزي من أحسن من العباد، نبقي له الذكر الجميل إلي آخر الدهر
[ إنه من عبادنا المؤمنين ] أي كان مخلصا في العبودية لله، كامل الإيمان واليقين قال في حاشية البيضاوي : علل هذه التكرمة السنية بكونه من أولي الإحسان، ثم علل كونه محسنا بأنه كان عبدا مؤمنا، إظهارا لجلالة قدر الإيمان وأصالة أمره، وجعل الدنيا مملوءة من ذريته، تبقية لذكره الجميل في ألسنة العالمين
[ ثم أغرقنا الأخرين ] أي أغرقنا الكافرين الذين لم يؤمنوا بنوح عن آخرهم، فلم تبق منهم عين تطرف ولا ذكر ولا أثر.. ثم شرع تعالي في بيان قصة إبراهيم فقال
[ وإن من شيعته لإبراهيم ] أي وإن من أنصار نوح وأعوانه، وممن كان على منهاجه وسنته (إبراهيم ) الخليل، قال البيضاوى : وكان بين نوح وإبراهيم ألفان وستمائة وأربعون سنة، وكان بينهما نبيان هما " هود " و " صالح " صلوات الله عليهم أجمعين
[ إذ جاء ربه بقلب سليم ] أي حين جاء ربه بقلب نقي طاهر، مخلص من الشك والشرك
[ إذ قال لأبيه وقومه ماذا تعبدون ] أي حين قال لأبيه آزر وقومه موبخا لهم : ما الذي تعبدونه من الأوثان والأصنام ؟ وهو إنكار لهم وتوبيخ
[ أئفكا آلهة دون الله تريدون ] ؟ أي أتعبدون آلهة من دون الله من أجل الإفك والكذب والزور ؟ وإنما قدم المفعول لأجله [ أئفكا ] علي المفعول به لأجل التقبيح عليهم، بأنهم علي إفك وباطل في شركهم، والأصل : أتريدون آلهة من دون الله إفكا ؟ قال القرطبي : والإفك أسوأ الكذب وهو الذي لا يثبت ويضطرب
[ فما ظنكم برب العالمين ] استفهام توبيخ وتحذير أي أي شئ تظنون برب العالمين ؟ هل تظنون أنه يترككم بلا عقاب وقد عبدتم غيره ؟ قال الطبري : المعني أي شئ تظنون أيها القوم أن الله يصنع بكم إن لقيتموه وقد عبدتم غيره ؟
[ فنظر نظرة في النجوم فقال إني سقيم ] لما وبخهم على عبادة غير الله، أراد أن يريهم أن أصنامهم لا تضر ولا تنفع، وأراد أن يخلو بها حتى يكسرها، فاحتال للبقاء وعدم الخروج معهم إلي العيد، فنظر في السماء - على عادتهم حيث كانوا نجامين - وأوهمهم أن النجوم تدل علي أنه سيسقم غدا، فقال : إني سقيم أي سأمرض إن خرجت معكم، وهذا ليس بكذب وإنما هو من المعاريض الجائزة لمقصد شرعي، كما ورد (إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ) أو أراد أنه سقيم القلب من عبادتهم للأوثان
[ فتولوا عنه مدبرين ] أي فتركوه إعراضا عنه وخرجوا إلى عيدهم
[ فراغ إلي آلهتهم ] أي فلما ذهبوا وتركوه توجه إلي الأصنام ومال إليها في خفية قال ابن كثير : أي ذهب إليها بعد ما خرجوا في سرعة واختفاء
[ فقال ألا تأكلون ] ؟ أي ألا تأكلون من هذا الطعام ؟ قال ابن كثير : وذلك إنهم كانوا قد وضعوا بين أيديها طعاما قربانا لتبارك لهم فيه
[ ما لكم لا تنطقون ] ؟ أي ما لكم لا تجيبوني علي سؤالي ؟ قال أبو حيان : وعرض الدليل عليها واستفهامها عن النطق إنما هو على سبيل الهزء، لأنها منحطة عن رتبة عابديها، إذ هم يأكلون وينطقون بخلافها! !
[ فراغ عليهم ضربا باليمين ] أي فأقبل على الأصنام مستخفيا يحطمها بيمينه بفأس كان معه قال البيضاوي : وتقييده باليمين للدلالة علي قوته، وقوة الآلة تستدعي قوة الفعل وقال القرطبي : خص الضرب باليمين لأنها أقوي، والضرب بها أشد
[ فأقبلوا اليه يزفون ] أي أقبلوا نحوه مسرعين، كان بعضهم يدفع بعضا، فلما أدركوه قالوا : ويحك نحن نعبدها وأنت تكسرها ؟ فأجابهم موبخا