[ قال أتعبدون ما تنحتون ] ؟ أي أتعبدون أصناما نحتموها بأيديكم، وصنعتموها بأنفسكم ؟
[ والله خلقكم وما تعملون ] أي والله جل وعلا خلقكم وخلق عملكم، وكل الأشياء مخلوقة له، فكيف تعبدون المخلوق وتتركون الخالق ؟ أليس لكم عقل أيها الناس ؟ قال ابن جزي : ذهب بعض المفسرين إلي أن [ ما ] مصدرية والمعني : الله خلقكم وأعمالكم، وهذه الآية عندهم قاعدة في خلق أفعال العباد، وذهب بعضهم إلي أن [ ما ] موصولة بمعنى الذي والمعني : خلقكم وخلق أصنامكم التي تعملونها، وهذا أليق بسياق الكلام، وأقوى في قصد الاحتجاج على الذين عبدوا الأصنام.
[ قالوا ابنوا له بنيانا فألقوه في الجحيم ] أي ابنوا له مكانا وأضرموه نارا، ثم ألقوه في تلك النار المتأججة المستعرة قال المفسرون : لما غلبهم إبراهيم عليه السلام في الحجة، مالوا إلي الغلبة بقوة البطش والشدة، وتشاوروا فيما بينهم، ثم قرروا أن يطرحوه في النار، إنتصارا لأصنامهم وآلهتهم
[ فأرادوا به كيدا فجعلناهم الأسفلين ] أي أرادوا المكر بإبراهيم واحتالوا لإهلاكه، فنجيناه من النار وجعلناها بردا وسلاما عليه، وجعلناهم الأذلين المقهورين، لأنه لم ينفذ فيه مكرهم، ولا كيدهم
[ وقال إني ذاهب إلي ربي سيهدين ] لما نجاه الله من النار، وخلصه من كيد الفجار، هجر قومه وإعتزلهم، والمعني : إني مهاجر من بلد قومي إلي حيث أمرني ربي قال مقاتل : هو أول من هاجر من الخلق مع سارة إلي أرض الشام
[ رب هب لي من الصالحين ] أي ارزقني ولدا من الصالحين يؤنسني في غربتي قال ابن كثير : يريد أولادا مطيعين يكونون عوضا عن قومه وعشيرته الذين فارقهم
[ فبشرناه بغلام حليم ] أي فاستجبنا دعاءه، وبشرناه بغلام يكون حليما في كبره قال أبو السعود : جمع الله له فيه بشارات ثلاث : بشارة أنه غلام، وأنه يبلغ أوان الحلم، وأنه يكون حليما، لأن الصغير لا يوصف بذلك، وأي حلم يعادل حلمه عليه السلام ؟ حين عرض عليه أبوه الذبح فقال [ يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ] ! ! وجمهور المفسرين علي أن هذا الغلام المبشر به هو (إسماعيل ) لأن الله تعالي قال بعد تمام قصة الذبيح [ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ] فدل ذلك على أن الذبيح هو إسماعيل
[ فلما بلغ معه السعي ] أي فلما ترعرع وشب وبلغ السن الذي يمكنه أن يسعي مع أبيه في أشغاله وحوائجه قال المفسرون : وهو سن الثالثة عشرة
[ قال يا بني إني أري في المنام أني أذبحك ] أي إني أمرت في المنام أن أذبحك، قال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي وتلا الآية وقال محمد بن كعب : كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالي، أيقاظا ورقودا، لأن الأنبياء تنام عيونهم ولا تنام قلوبهم
[ فانظر ماذا تري ] ؟ أي فانظر في الأمر، ما رأيك فيه ؟ قال ابن كثير : وإنما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه على طاعة الله تعالي وطاعة أبيه. فإن قيل : لم شاوره في أمر هو حسم من الله ؟ فالجواب : أنه لم يشاوره ليرجع إلي رأيه، ولكن ليعلم ما عنده فيثبت قلبه، ويوطن نفسه على الصبر، فأجابه بأحسن جواب
[ قال يا أبت إفعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين ] أي امض لما أمرك الله به من ذبحي، فستجدني صابرا إن شاء الله، وهو جواب من أوتي الحلم والصبر، وامتثال الأمر، والرضا بقضاء الله
[ فلما أسلما وتله للجبين ] أي فلما استسلما - الأب والابن - لأمر الله، وصرعه على وجهه ليذبحه، قال ابن عباس :[ تله للجبين ] أكبه على وجهه