[ وناديناه أن يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ] هذه جواب " لما " والواو مقحمة أي ناديناه -يا إبراهيم قد نفذت ما أمرت به، وحصل المقصود من رؤياك، بإضجاعك ولدك للذبح، روي أنه أمر السكين بقوته علي حلقه مرارا فلم يقطع قال الصاوي : والحكمة في هذه القصة أن إبراهيم اتخذه الله تعالي خليلا، فلما سأل ربه الولد ووهبه له، تعلقت شعبة من قلبه بمحبة ولده، فأمر بذبح المحبوب لتظهر صفاء الخلة، فامتثل أمر ربه، وقدم محبته على محبة ولده، قال ابن عباس : فلما عزم على ذبح ولده ورماه على شقه قال الإبن : يا أبت اشدد رباطي حتى لا أضطرب، واكفف ثيابك لئلا ينتضح عليها شئ : من دمي فتراه أمي فتحزن، وأحد شفرتك وأسرع بها علي حلقى ليكون الموت أهون علي، وإذا أتيت أمي فاقرئها مني السلام، وإن رأيت أن ترد قميصي عليها فافعل فإنه عسى أن يكون أسلى لها عني، فقال له إبراهيم : نعم العون أنت يا بني على أمر الله
[ إنا كذلك نجزي المحسنين ] تعليل لتفريج الكربة أي كما فرجنا شدتك، كذلك نجازي المحسنين بتفريج الشدة عنهم، ونجعل لهم من أمرهم فرجا ومخرجا
[ إن هذا لهو البلاء المبين ] أي إن هذا لهو الإبتلاء والامتحان الشاق الواضح، الذي يتميز فيه المخلص من المنافق
[ وفديناه بذبح عظيم ] أي وفديناه بكبش من الجنة فداة عنه قال ابن عباس : كبش عظيم قد رعي في الجنة أربعين خريفا
[ وتركنا عليه في الآخرين ] أي وأبقينا عليه ثناء حسنا إلي يوم الدين
[ سلام علي إبراهيم ] أي سلام منا علي إبراهيم عاطر كريم
[ كذلك نجزي المحسنين إنه من عبادنا المؤمنين ] كرر ذكر الجزاء مبالغة في الثناء، ثم علل ذلك بأنه كان من الراسخين في الإيمان مع الإيقان والإطمئنان
[ وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ] أي وبشرناه بغلام آخر بعد تلك الحادثة هو (إسحاق ) الذي سيكون نبيا قال ابن عباس : بشر بنبوته حين ولد، وحين نبئ، وتكاد تكون الآية صريحة في أن الذبيح هو " إسماعيل " لا " إسحاق " لأنه تعالى ذكره بعد قصة النداء.
[ وباركنا عليه وعلي إسحق ] أي أفضنا علي إبراهيم لإسحاق بركات الدنيا والدين
[ ومن ذريتهما محسن وظالم لنفسه مبين ] أي ومن ذريتهما محسن ومسيء قال الطبري : المحسن هو المؤمن، والظالم لنفسه هو الكافر وقال أبو حيان : وفي الآية وعيد لليهود ومن كان من ذريتهما ممن لم يؤمن بمحمد، وفيها دليل على أن البر قد يلد الفاجر، ولا يلحقه من ذلك عيب ولا منقصة.
البلاغه :
تضمنت الآيات الكريمة وجوها من البيان والبديع نوجزها فيما يلي :
١ - الأسلوب التهكمي [ أذلك خير نزلا أم شجرة الزقوم ] ؟ التعبير ب " خير " تهكم بهم لأن شجرة الزقوم لا خير فيها ولا بركة.
٢ - الجناس الناقص [ المُنذِرين.. والمُنذَرين ] لأن المراد بالأول الرسل، وبالثاني الأمم.
٣ - التشبيه [ طلعها كأنه رءوس الشياطين ] أي في الهول والشناعة ويسمى تشبيها مرسلا مجملا.
٤ - الاستعارة التبعية [ إذ جاء ربه بقلب سليم ] شبه إقباله علي ربه مخلصا بقلبه بمن قدم على الملك بتحفة ثمينة جميلة ففاز بالرضي والقبول ففيه استعارة تبعية.
٥ - الطباق بين [ محسن.. وظالم ].
٦ - جناس الاشتقاق بين [ ابنوا.. بنيانا ].
٧ - الكناية اللطيفة [ وتركنا عليه في الآخرين ] كنى به عن الثناء الحسن الجميل.
٨ - مراعاة الفواصل مثل [ وإن من شيعته لإبراهيم إذ جاء ربه بقلب سليم ] إلخ وهو من المحسنات البديعية، وهو من خصائص القرآن، وفيه من الروعة والجمال، وحسن الوقع علي السمع ما يزيده روعة وجمالا.
قال تعالى :[ ولقد مننا على موسى وهارون ] الى قوله [ والحمد لله رب العالمين ] من آية (١١٤ ) إلى آية ( ١٨٢ ) نهاية السورة الكريمة.
المناسبه :


الصفحة التالية
Icon