[ إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة ولي نعجة واحدة ] هذه بداية قصة الخصمين أي قال أحدهما : إن صاحبي هذا يملك تسعة وتسعين نعجة - وهي أنثى الضأن - وأملك أنا نعجة واحدة قال المفسرون : وقد يكنى بها عن المرأة فيكون الغرض أن عنده تسعا وتسعين امرأة وعندي امرأة واحدة (( وقع بعض المفسرين في خطأ فاحش حين نقلوا بعض الأقوال الواهية في تفاسيرهم اعتمادا على ما جاء عند أهل الكتاب من غير تحقيق ولا تمحيص، مما لم يصح سنده ولا يجوز اعتماده، لأنه من القصص الاسرائيلية التي تتنافى مع العقيدة الاسلامية في " عصمة الأنبياء ". من هذه الأباطيل المدسوسة ما روي من أمر عشقه لزوجة قائد جيشه وخلاصتها " أن داود كان يمشي على سطح داره فنظر إلى امرأة تستحم فأعجبته وعشقها، وكانت زوجة أحد قواده ويسمى " أوريا " فأراد أن يتخلص منه ليتزوج بها، فأرسله في إحدى المعارك وحمله الراية وأمره بالتقدم فانتصر، فأرسله مرارا ليتخلص منه حتى قتل فتزوجها.. " الخ ما هنالك من الكذب والبهتان قال ابن كثير : وقد ذكر كثير من المفسرين ههنا قصصا وأخبارا أكثرها إسرائيليات، ومنها ما هو مكذوب لا محالة، تركنا ايرادها في كتابنا قصدا، اكتفاء بمجرد تلاوة القصة من القرآن الكريم، والله يهدى من يشاء الى صراط مستقيم. وقال البيضاوى : وما قيل إنه أرسل " أوريا " مرارا إلى الحرب، وأمره أن يتقدم حتى قتل فتزوجها داود، فزور وإفتراء، ولذلك قال على رضى الله عنه " من حدث بحديث داود على ما يرويه القصاص جلدته مائة وستين جلدة " وهو حد الفرية على الانبياء. والصحيح فى موضوع هذه القصة ما ذكره المحققون من أئمة التفسير وعلمائه الأعلام، وبيان هذه القصة أن داود عليه السلام كان يخصص بعض وقته لتصريف شوؤن الملك، وللقضاء بين الناس، ويخصص البعض الاخر للخلوة والعبادة، وترتيل الزبور تسبيحا لله فى المحراب، وكان إذا دخل المحراب للعبادة والخلوة لم يدخل إليه أحد حتى يخرج هو إلى الناس، و فى ذات يوم فوجىء بشخصين يتسوران المحراب الذى يتعبد فيه، ففزع منهما واضمر فى نفسه أن يبطش بهما، فبادرا يطمئنانه أنهما خصمان اختلفا فى أمر بينهما، وبدأ أحدهما فعرض خصومته كما قصها القرآن الكريم فى آياته البينات. والقضية كما عرضها أحد الخصمين تحمل ظلما صارخا مثيرا لا يحتمل التأويل، ومن ثم اندفع داود يقضى على إثر سماعه لهذه المظلمة الصارخة، ولم يوجه إلى الخصم الآخر حديثا، ولم يطلب إليه بيانا، ولم يسمع له حجة، ولكنه مضى يحكم بقوله :" لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه.... " إلى آخر الايات فعاتبه الله على ذلك ونبهه إلى ضرورة تثبت القاضى من حكمه، وسماعه للخصم الاخر... أما ما قاله البعض إعتمادا على بعض الروايات الاسرائيلية مما ذكرناه وحذرنا منه، فإنه لا يصح بالنسبة إلى عوام المسلمين وجهلة الفساق، فما بالك بالأنبياء بل بخواص الأنبياء " فليتدبر هذا من له عقل سليم ودين قويم، والله يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم "
[ فقال أكفلنيها ] أي ملكنيها واجعلها تحت كفالتي
[ وعزني في الخطاب ] أي غلبني في الخصومة، وشدد علي في القول وأغلظ
[ قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه ] أي قال له داود لقد ظلمك بهذا الطلب حين أراد انتزاع نعجتك منك ليكمل ما عنده الى مائة
[ وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ] أي وإن الكثيرين من الشركاء ليتعدى بعضهم على بعض
[ إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم ] أي إلا المؤمنين الذين يعملون الصالحات فإنهم لا يبغون وهم قليل
[ وظن داود أنما فتناه ] أي علم وأيقن أنما اختبرناه بهذه الحادثة وتلك الحكومة