روى ابن كثير أن أبا زرعة دخل على الوليد بن عبد الملك فقال له الوليد : أخبرني أيحاسب الخليفة ؟ فإنك قد قرأت القرآن وفقهت فقال : يا أمير المؤمنين أقول ؟ قال : قل في أمان الله، قال يا أمير المؤمنين : أنت أكرم على الله أو (داود) عليه الصلاة والسلام ؟ إن الله تعالى جمع له بين الخلافة والنبوة، ثم توعده في كتابه فقال :[ يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله.. ] الآية، فكانت هذه الكلمات موعظة بليغة للخليفة الوليد، تأثر بها بالغ التأثر.
قال الة تعالى :[ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما.. ] إلى قوله [ إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ]. من آية (٢٧) إلى نهاية آية (٥٤).
المناسبة :
لما ذكر تعالى إنكار المشركين للقرآن والرسالة، والحشر والنشر، وأعقبها بذكر قصة داود تسلية للنبي (ص)، ذكر هنا بعض البراهين على البعث والنشور، ثم بين الحكمة من نزول القرآن، ثم تابع الحديث عن قصة " سليمان بن داود " تتميما وتكميلا للهدف السامي من ذكر قصص القرآن.
اللغه :
[ الألباب ] العقول واحدها لب، ولب الشيء صفوته وخلاصته ولذلك سمي العقل لبا
[ الصافنات ] الخيول الواقفة على ثلاثة قوائم وطرف حافر الرابعة جمع صافن، قال الفراء : الصافن في كلام العرب الواقف من الخيل أو غيرها، قال الشاعر : تركنا الخيل عاكفة عليه مقلدة أعنتها صفونا
[ الجياد ] السراع السوابق فى العدو قال المبرد : الجياد جمع جواد وهو الشديد الجري كما أن الجواد من الناس هو السريع البذل
[ توارت ] إختفت
[ رخاء ] لينة أو منقادة حيث أراد
[ الأصفاد ] سلاسل الحديد والأغلال واحدها صفد وفي الحديث " صفدت الشياطين " أي ربطت بالسلاسل، قال ا لشا عر : فآبوا بالنهاب وبالسبايا وأبنا بالملوك مصفدينا
[ ضغثا ] الضغث : حزمة من الحشيش أو غيره مختلطة الرطب باليابس، وأصله : الشيء المختلط ومنه أضغاث أحلام، للرؤيا المختلطة.
التفسير :
[ وما خلقنا السماء والأرض وما بينهما باطلا ] أي ما خلقنا هذا الكون البديع، بما فيه من المخلوقات العجيبة عبثا وسدى
[ ذلك ظن الذين كفروا ] أي خلق ما ذكر لا لحكمة، هو ظن الكفار الفجار الذين لا يؤمنون بالبعث والنشور
[ فويل للذين كفروا من النار ] أي فويل للكفار من عذاب النار.. ثم وبخهم تعالى على هذا الظن السىء، فقال سبحانه :
[ أم نجعل الذين أمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض ] ؟ أي هل نجعل المؤمنين المصلحين كالكفرة المفسدين ؟
[ أم نجعل المتقين كالفجار ] ؟ أي أم نجعل الأخيار الأبرار كالأشرار الفجار ؟والغرض : أنه لا يتساوى في حكمته تعالى المحسن مع المسيء، ولا البر مع الفاجر، ففي الآية استدلال على الحشر والجزاء، وفيها أيضا وعد ووعيد، قال ابن كثير : بين تعالى أنه ليس من عدله وحكمته أن يساوي بين المؤمنين والكافرين، وإذا كان الأمر كذلك، فلابد من جزاء يثاب فيها المطيع، ويعاقب فيها الفاجر، وقد دلت العقول السليمة على أنه لابد من جزاء ومعاد، فإنا نرى الظالم الباغي يزداد ماله وولده ونعيمه ويموت دون عقاب، ونرى المطيع المظلوم يموت بكمده، فلابد في حكمة الحكيم العليم، إنصاف هذا من هذا، وإذا لم يقع هذا في هذه الدار، فتعين أن هناك دارا أخرى لهذا الجزاء والمواساة وهي الدار الآخرة.. ثم بين تعالى الغاية من نزول القرآن وهي العمل والتفكر فقال :
[ كتاب أنزلناه إليك مبارك ] أي هذا الكتاب الذي أنزلناه عليك يا محمد كتاب عظيم جليل، كثير الخيرات والمنافع الدينية والدنيوية
[ ليدبروا آياته ] أي أنزلناه ليتدبروا آياته، ويتفكروا بما فيها من الأسرار العجيبة، والحكم الجليلة