[ يدعون فيها بفاكهة كثيرة وشراب ] أي وهم متكئون على الأسرة يطلبون أنواع الفواكه، وألوان الشراب كعادة الملوك في الدنيا، قال ابن كثير : أي مهما طلبوا وجدوا، ومن أي أنواعه شاءوا أتتهم به الخدام
قال الصاوي : والاقتصار على دعاء الفاكهة، للإيذان بأن مطاعمهم لمحض التفكه والتلذذ، دون التغذي لأنه لا جوع في الجنة
[ وعندهم قاصرات الطرف أتراب ] أي وعندهم الحور العين اللواتي لا ينظرن إلى غير أزواجهن (أتراب ) أي في سن واحدة
[ هذا ما توعدون ليوم الحساب ] أي هذا جزاؤكم الذي وعدتم به في الدنيا
[ إن هذا لرزقنا ما له من نفاد ] أي هذا النعيم عطاؤنا لأهل الجنة، لا زوال له ولاانقطاع ولا إنتهاء أبدا، قال في الظلال : يبدأ هذا المشهد بمنظرين متقابلين تمام التقابل في المجموع والأجزاء، وفي السمات والهيئات : منظر المتقين، لهم [ حسن مآب ] ومنظر الطاغين، لهم [ شر مآب ] فأما الأولون فلهم جنات عدن مفتحة لهم الأبواب، ولهم فيها راحة الاتكاء ومتعة الطعام والشراب، ولهم كذلك متعة الحوريات الشواب، وهن مع شبابهن [ قاصرات الطرف ] لا يتطلعن ولا يمددن بأبصارهن، وكلهن شواب أتراب، وهو متاع دائم، ورزق من عند الله ما له من نفاد.
قال الله تعالى :[ هذا وإن للطاغين لشر مآب.. ] إلى قوله [ ولتعلمن نبأه بعد حين ]. من آية (٥٥ ) إلى آية (٨٨) نهاية السورة.
المناسبة :
لما ذكر تعالى مآل السعداء المتقين، ثني بذكر حال الأشقياء المجرمين، ثم ذكر بعض الأدلة على صدق رسالة محمد، وختم السورة الكريمة بذكر قصة آدم وإبليس، وإمتناعه عن السجود لآدم، تحذيرا للبشر من عدوهم الأكبر، ومن وساوسه وإغوائه.
اللغة :
[ غساق ] الغساق : ما يخرج من لحوم الكفرة من الصديد والقيح والنتن
[ زاغت ] مالت
[ سخريا ] بكسر السين وهو الهزء والسخرية
[ مقتحم ] الاقتحام : ركوب الشدة والدخول فيها، ومنه اقتحام المخاطر
[ سويته ] اتممت خلقه على أكمل الوجوه
[ العالين ] المتكبرين، وعلا في الأرض : تكبر وتجبر
[ رجيم ] مرجوم بالكواكب والشهب.
التفسير :
[ هذا وإن للطاغين لشر مآب ] [ هذا ] خبر لمبتدأ محذوف تقديره الأمر هذا وهي بمنزلة أما بعد، ثم قال :[ وإن للطاغين لشر مآب ] أي وإن للكافرين الذين كذبوا الرسل، لشر منقلب يصيرون إليه في الآخرة، ثم فسر هذا المصير بقوله :
[ جهنم يصلونها فبئس المهاد ] أي جهنم يذوقونها ويصلون سعيرها، وبئست جهنم فراشا ومهادا لهم، قال ابن جزي : لما تم ذكر أهل الجنة ختمه بقوله :[ هذا ] ثم إبتدأ بذكر وصف أهل النار، وعنى بالطاغين الكفار
[ هذا فليذوقوه حميم وغساق ] أي هذا هو العذاب الأليم فليذوقوه وهو الحميم أي الماء الحار المحرق، والغساق وهو ما يسيل من صديد أهل النار، قال الطبري : في الآية تقديم وتأخير أي هذا حميم وغساق فليذوقوه، والحميم الذي أغلى حتى انتهى حره، والغساق ما يسيل من جلودهم من الصديد والدم
[ وآخر من شكله أزواج ] أى وعذاب آخر من مثل هذا العذاب المذكور كالزمهرير، والسموم، وأكل الزقوم، لهم منه أنواع وأصناف.. ثم حكى ما يقال للرؤساء الطاغين إذا دخلوا النار، فقال سبحانه :
[ هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم ] أي تقول لهم خزنة جهنم : هذا جمع كثيف قد اقتحم معكم النار، ودخلوها بصحبتكم كما اقتحموا معكم في الجهل والضلال، لا أهلا ولا مرحبا بهم
[ إنهم صالوا النار ] أي إنهم ذائقو النار، وداخلوها كما دخلتموها أنتم، قال الرازي : والاقتحام ركوب الشدة والدخول فيها، وهذا من كلام خزنة جهنم لرؤساء الكفرة عن أتباعهم، والعرب تقول لمن يدعون له : مرحبا أي أتيت رحبا في البلاد لا ضيقا، ثم يدخلون عليها كلمة " لا " في دعاء السوء