[ العزيز الغفار ] أي القاهر على أمره الذي لا يغلب، المبالغ في المغفرة لمن شاء من العباد، قال الرازي : لما ذكر أنه [ قهار ] وهذا مشعر بالترهيب والتخويف، أردفه بما يدل على الرجاء والترغيب، وذكر ثلاث صفات دالة على الرحمة والفضل والكرم، وهي :(الرب، العزيز، الغفار)، فكونه ربا مشعر بالتربية والإحسان، وكونه " عزيزا " مشعر بأنه قادر على كل شيء، ولا يعجزه شيء، وكونه " غفارا " مشعر بالترغيب وأنه يرجى فضله وثوابه، فلو بقي الإنسان على الكفر سبعين سنة، ثم تاب فإن الله سبحانه يغفر له برحمته جميع ذنوبه، ويمحو اسمه من ديوان المذنبين، ويوصله إلى درجات الأبرار
[ قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون ] أى قل لهم يا محمد : إن هذا القرآن الذي جئتكم به هو نبأ هام وأمر عظيم الشأن، أنتم عنه غافلون لا تلتفتون إليه ولا تعلمون قدره
[ ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون ] أي من أين لي العلم باختلاف الملائكة في شأن خلق آدم، لولا الوحي المنزل علي ؟ قال ابن جزي : والقصد الاحتجاج على نبوة محمد (ص) لأنه أخبر بأمور لم يكن يعلمها قبل ذلك، والإشارة إلى إختصام الملائكة هو ما جاء في قصة آدم حين قال تعالى لهم :[ إني جاعل في الأرض خليفة ] حسبما تضمنته قصته في مواضع من القرآن
[ إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين ] أي ما يوحي إلي إلا لأني رسول مرسل إليكم، لأنذركم عذاب الله، ومعنى النذير المنذر المخوف من عذاب الله.. ثم شرع تعالى في ذكر قصة آدم فقال :
[ إذ قال ربك للملائكةإني خالق بشرا من طين ] أي اذكر حين أعلم ربك الملائكة أنه سيخلق إنسانا من طين وهو آدم عليه السلام " فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ] أي فإذا أتممت خلقه ونفخت فيه من الروح، فاسجدوا إكراما له وإعظاما، قال القرطبي : وهذا سجود تحية لا سجود عبادة
[ فسجد الملائكة كلهم أجمعون ] أي فسجد جميع الملائكة خضوعا له وتعظيما لأمر الله بالسجود له
[ إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين ] أي لكن إبليس استكبر عن طاعة الله، وأبى السجود لآدم فصار من الكافرين، قال ابن كثير : امتثل الملائكة كلهم سوى (إبليس )، ولم يكن منهم جنسا كان من الجن، فخانه طبعه وجبلته فاستنكف عن السجود لآدم وخاصم ربه عز وجل فيه، وادعى أنه خير من آدم، فكفر بذلك وطرده الله عن باب رحمته، ومحل أنسه، وحضرة قدسه (( هذا هو الرأي الصحيح أن إبليس من الجن وليس من الملائكة، وقد تقدم قول الحسن البصرى " لم يكن إبليس من الملائكة طرفة عين " وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس وترتاح وتدل عليه النصوص الكريمة كقوله تعالى ﴿كان من الجن ففسق عن أمر ربه ﴾ )).
[ قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ] ؟ أي قال له ربه : ما الذي صرفك وصدك عن السجود لمن خلقته بذاتي من غير واسطة أب وأم ؟ قال القرطبي : أضاف خلقه إلى نفسه (تكريما لآدم )، وإن كان خالق كل شيء، كما أضاف إلى نفسه الروح، والبيت، والناقة، والمساجد، فخاطب الناس بما يعرفونه
[ أستكبرت أم كنت من العالين ] ؟ أي هل استكبرت الآن عن السجود ؟ أم كنت قديما من المتكبرين على ربك ؟ وهذا على جهة التوبيخ له لاستنكافه عن السجود
[ قال أنا خير منه ] أي قال اللعين : أنا خير من آدم وأشرف وأفضل
[ خلقتني من نار وخلقته من طين ] أي لأنني مخلوق من النار، وآدم مخلوق من الطين، والنار خير من الطين، فكيف يسجد الفاضل للمفضول ؟
[ قال فاخرج منها فإنك رجيم ] أي أخرج من الجنة فإنك لعين مطرود من كل خير وكرامة
[ وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين ] أي وأنت مبعد عن رحمتي إلى يوم الجزاء والعقوبة، ثم تلقى ما هو أفظع وأشنع من اللعنة